يعد هذا الكتاب محاولة تشخيص لما أصاب الأمة الإسلامية منذ عهد ازدهارها فى عصر النبوة، ثم أسباب الانحدار الذى حدث بعد ذلك منذ العصر الأموي، مع ظهور فتنة الفرق والتفرق، وآثار هذا الانحدار من تخلف علمي وحضاري واقتصادي وفكري وحربي، وموجات الغزو التي داهمت أمة الإسلام من الصليبيين والتتار، والصحوة الإسلامية وما يجب أن تكون عليه لمواجهة الأخطار المحيطة بأمة الإسلام. وقد كان الباعث على كتابته رغبة المؤلف في المساهمة النظرية في الإجابة عن الأسئلة التي كانت متداولة لدى الجيل الملتزم من الشباب في السبعينات، وفي هذا يقول المؤلف في مقدمة كتابه: "وقد أردتُ بمحاولتي تلك الرد على تساؤلات الشباب المتطلع إلى تحقيق الإسلام في عالم الواقع: لماذا طالت المسيرة؟ لماذا تأخر التمكين؟ ما منهج الدعوة؟ ما الطريق الصحيح؟". ويرى المؤلف أن دعوة الأستاذ حسن البنا أساسا كانت تقصد الإجابة عن هذا السؤال عمليّا: "لقد كان الضياع الذي أحسه المسلمون بعد الإطاحة بالخلافة والحزن البالغ الذي أصاب العالم الإسلامي والأسى الذي استولى على القلوب هو ذاته الذي بعث حسن البنا إلى إنشاء دعوته. فقد قال في نفسه: إذا كانت دولة الإسلام قد ضاعت فلماذا لا نحاول استعادتها من جديد؟!". وينبه المؤلف إلى السبيل الذي يجب سلوكه لدى السعي لجواب هذا السؤال فيقول: "إن تصحيح المفاهيم وتصحيح المنهج أمر ضروري للحركة الإسلامية دون شك. وما تستطيع الحركة أن تثمر ثمرتها المرجوة إن لم تعرف الطريق الصحيح وتتوجه إليه. ولكن محاولة التصحيح بالتنابذ والفرقة، والتدافع بالمناكب، والجدل الدائم الذي يحاول فيه كل فريق تسفيه الآخرين وتجريحهم والنيل منهم. كل ذلك جهد ضائع بلا ثمرة، إلا الثمرة النكدة التي يتلقفها الشيطان! إنما يكون التصحيح بالبيان الهادئ الهادف، وإبراز الدليل الشرعي الذي تبنى عليه الأحكام، مع التفقه في دين الله، قبل إصدار الحكم الذي يتشبث به صاحبه ويفاصل الناس عليه!". ومن ثم جعل الكاتب موضوع كتابه مركزا على الواقع المعاصر، والجهة التي يبحث فيها المؤلف في النظر إلى الواقع المعاصر هي ما يسميه (الانحراف)، ومدلول مصطلح (الانحراف) لديه ليس مطابقاً لمصطلح (البدعة) أو (الفسق) أو (الخروج عن الشرع) من المصطلحات الشرعية، وإنما هو مصطلح خاصّ، يقصد به (الانحراف) الذي له ثمرة اليوم -بحسب رأيه- في تعثير أو عرقلة أو منع إقامة الدولة الإسلامية. ولذا فبعد أن عقد المؤلف فصلين في رصد خط الانحراف في الأمة وآثاره، عقد فصلا سماه (الصحوة الإسلامية) تحدث فيه عن الطرق المطروحة لإقامة الدولة الإسلامية، وعمَّا يراه صوابا من الطرق. أما عن طريقة المؤلف في الكتاب؛ فإنه لما كانت فئة الشباب هي المقصودة من هذا الكتاب، فإن اللغة التي كُتِب بها لغة سهلة مُيسَّرة، لا يشترط لفهمها مقدمات أو أصول علمية. ويقدم المؤلف الفكرة التي يريدها بالشرح والإيضاح، ويكررها أحيانا، ويعرضها بأكثر من طريقة أحيانا، ويبينها أحيانا بطريقة العدّ إذا احتاجت إلى تفصيل، ولا يعتمد في كتابه الطريقة الأكاديمية في تقسيم البحث إلى أبواب وفصول ومباحث، وإنما قسمه مقدمة وخمسة عناوين رئيسية، تشبه الفصول، وقد يكون تحتها عناوين أخرى فرعية، ويذكر خلاصات في آخر كل فصل. والبحث يشتمل على مادّة تاريخية كبيرة، لكن المؤلف يبين أنه لا يقصد التأريخ للأحداث وإنما رسم الخطوط العريضة وقد اشتمل الكتاب على آراء للمؤلف في أحداث وشخصيات ومذاهب كثيرة في التاريخ المعاصر أو قبله، فأبدى رأيه في الدولة الأموية، والعباسية، والعثمانية، ومحمد علي، ومحمد بن عبد الوهاب، ورفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين، وسعد زغلول، وجمال الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وحسن البنا، وجمال عبد الناصر، ومصطفى أتاتورك، وأبدى رأيه في المذاهب الكلامية والاعتقادية كالاعتزال والإرجاء والتصوّف؛ كل بحسب ما يقتضيه السياق. ولا يهتم المؤلف بتوثيق النصوص كثيرا. أما عن تفاصيل موضوعات الكتاب فإن أول فصل عقده المؤلف هو لتجلية حال النموذج الذي حقق شرط النصر والتمكين، فتحقق له التمكين، وهو نموذج الصحابة رضي الله عنهم، وقد عنون له المؤلف بقوله: (نظرة إلى الجيل الفريد)، وتحدث فيه عن خمس سمات لذلك الجيل: صدق الإيمان، وجدية الأخذ من الكتاب والسنة، وصدق الجهاد في سبيل الله، وتحقيق معنى (الأمة) في صورته الحقيقية، وتحقيق العدل الرباني في واقع الأرض، وأخلاقيات لا إله إلا الله، والوفاء بالمواثيق. ثم عقد المؤلف فصلاً سمَّاه (خط الانحراف)، تحدث فيه عن الانحرافات التي وقعت في الدول الأموية والعباسية والعثمانية. وخلص في نهاية الفصل إلى رد أسباب الانحراف إلى أربعة: التفلُّت البشري الطبيعي من التكليف، والفكر الإرجائي، والصوفية، والاستبداد السياسي. ثم عقد فصلا طويلا في آثار الانحراف يزيد على ثلث الكتاب، ركز فيه على الانحرافات في القرنين الأخيرين، لما لذلك من أهمية في تحقيق غاية الكتاب في نظر المؤلف. ومن الكتابات المتأثرة تأثرا مباشرا بالكتاب رسالة علمية من جامعة أم القرى أشرف عليها محمد قطب نفسه عنوانها: (الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وأثرهما في حياة الأمة) لعلي بن بخيت الزهراني. ووُجِّهت للكتاب دراسات نقديّة من أبرزها ما قدمه أحد رموز جماعة الإخوان في مصر سالم البهنساوي في رسالة صغيرة الحجم أسماها (شبهات حول الفكر الإسلام المعاصر) حيث انتقد آراء محمد قطب التي أبداها في كتابه في مسائل الأسماء والأحكام، وانتقد موقفه من المشاركة السياسية، وانتقد بعض القضايا التاريخية التي ذكرها في التأريخ لجماعة الإخوان في مصر.