أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه للباحثة، وهو محاولة لاكتناه سر من أسرار القرآن في موضوع متسع تراثي شغل حيزا من تفكير العلماء على مر العصور منذ القرن الثاني الهجري ما بين مؤيد للقول بزيادة الحروف ومعارض، ولكل حججه مما دفع الباحثة لتفصيل المسألة وتحقيق القول ولم أطراف القضية. وقد دفعها للكتابة في هذا الموضوع خلاء المكتبة القرآنية من بحث مستوف للموضوع يجمع شاردها ويفصل مجملها. وتحتاج المادة العلمية التي يعالجها البحث إلى قدر من التذوق والشفافية كما هو الشأن في العلوم البلاغية عموما؛ فحروف المعاني تعد من أصعب العلوم في القرآن لكثرتها وتداخل معانيها؛ فقل أن تخلو آية من القرآن من حرف من حروف المعاني. وتكمن المشقة في وجوه اختلاف مواقع هذه الحروف من الجمل، ثم اختلاف معانيها باختلاف مواقعها، ثم ملاحظة الفروق الدقيقة التي يقتضيها هذا الاختلاف في دلالته المؤثرة في معاني الآيات. ومادة هذا البحث غزيرة وهي -كما تقول الباحثة- مبثوثة في طوايا كتب اللغة والنحو القراءات وحروف المعاني، كما يتناثر كثير منها في كتب التفسير والمتشابه وإعجاز القرآن وأصول الفقه. ويتنوع منهج البحث بين عرض المفاهيم النظرية ثم تطبيقها على الآيات بطريقة تجسد أهم طرائق التعبير القرآني، مع سوق نصوص كثيرة طويلة من كلام القدماء والمحدثين للتدليل على الآثار البالغة التي أحدثتها قضية الأصالة والزيادة في مصنفات العلماء والباحثين، إضافة إلى الاعتناء بنسبة الأقوال إلى قائليها والرجوع بالفكرة إلى جذورها الأولى واستقصاء جميع ما قيل في الحرف الذي حكم بزيادته وترجيح ما يؤيده الدليل ويقويه النظر. وقد انتظم البحث في تمهيد وبابين وخاتمة. فأما التمهيد ففيه حديث عن معيار الأصالة والزيادة وتحديد لمفهوميهما عند النحاة والبلاغيين. أما الباب الأول ففصله الأول عن القائلين بالزيادة من اللغويين والنحاة والمفسرين والبلاغيين ومناهجههم في النظر في الحرف وحججهم في ذلك، وفصله الثاني عن القائلين بالأصالة من المفسرين والبلاغيين. وفي الباب الثاني عرضت الباحثة الحروف الأكثر استعمالا التي قيل إنها زائدة كالباء والواو والفاء ومن وأنْ ولا وما واللام، وكذا الحروف الأقل استعمالا كفي والكاف وثم وإنْ وإلى وعن، مع عرض آراء العلماء واختيار الأليق بالمقام والمناسب للغرض القرآني. وأما الخاتمة ففيها مجمل نتائج البحث. ولكن مع الأمانة في جمع النقول وكثرتها قد يبدو تحقيق المسائل صعبا لا سيما وأن الموضوع متخصص.