هو المقرئ الشهير، والعلامة النحرير، المحقق الشيخ عبد الفتاح بن السيد عجمي بن السيد العسس لقبا، المرصفي ولادة ونشأة، المصري موطنا، الشافعي مذهبا، ولد بمرصفا من أعمال محافظة القليوبية بجمهورية مصر العربية، في ٥ من شهر يونيو سنة ١٩٢٣م. نشأ شيخنا الجليل في أسرة علمية صالحة من أهل القرآن ولا شك أن الشجر الطيب ينبت ثمارا طيبة بإذن الله. أما والده فكان من أهل القرآن وكان حافظا مقرئا للقرآن الكريم في بلدة مرصفا وتخرج على يده العلماء المراصفة في عصره، وكان والد شيخنا يقرأ من القراءات قراءة أبي عمرو البصري. أما شيخنا الجليل، فهو محقق في علم القراءات بلا منازع وعالم متبحر في علم الرسم والضبط، وكأن الله خلقه لهذا العلم. وكان إذا جلس للإقراء كانت له هيبة، يعلوه الوقار والصمت، وإذا شرع في الحديث عن الروايات وطرقها كان بحرا دفاقا، غيورا على أهل القرآن والقراءات، وكان يرد على المخالفين للقراءات، كثير الترحم والتأدب مع العلماء السابقين، وكان كثير الحب لمشايخه، وذو أدب رفيع معهم. وحفظ القرآن على الشيخ زكي محمد عفيفي نصر، وأتم حفظ القرآن ولم يتجاوز العاشرة من عمره، ثم دخل المدرسة الأولية في ذلك الوقت سنة ١٩٣٤م التي تسمى بالابتدائية، ثم تخرج من التعليم الأولي سنة ١٩٣٩م، وكان ترتيبه الأول في المحافظة. وأخذ التجويد عن الأستاذ رفاعي محمد أحمد المجولي، ثم قرأ بعدها ختمة كاملة لابن كثير على الشيخ رفاعي، ثم ختمة لحمزة من طريق الشاطبية وأجازه بهما، ثم التقى شيخنا نور الله ضريحه بالأستاذ المقرئ الشيخ حامد علي السيد الغندور فأخذ عليه القراءات الثلاث من طريق الدرة وقراءة حمزة ويعقوب ورواية حفص ورواية الأصبهاني عن ورش من طريق الطيبة وأجازه بذلك. ثم التقى شيخنا سنة ١٩٣٥م بالعلامة محمد حسن الأنور شريف فأخذ عليه القراءات الثلاث عن طريق الدرة، ثم قرأ عليه ختمة للقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة، ثم ارتحل إلى المقرئ الشيخ محمد جمعة الباز وقرأ عليه القراءات الثلاث من طريق الدرة، ثم في عام ١٩٥٣م التحق بالأزهر الشريف في قسم القراءات فحصل على إجازة التجويد وكان ترتيبه الأول في مصر. وبعد ثلاث سنوات حصل على الشهادة العالية في القراءات وكان ترتيبه الثالث، وواصل دراسته في قسم تخصص القراءات بكلية اللغة العربية حتى حصل على شهادة التخصص في القراءات وكان ترتيبه الثاني. ودرس في الأزهر علوما عدة وفنونا شتى درس الشاطبية والدرة والطيبة والعقيلة ومورد الظمآن في علم رسم القرآن ودرس ناظمة الزهر في علم الفواصل وغيرها كالبلاغية والصرف والفقه والتفسير. وفي أوائل سنة ١٩٦٢م سافر شيخنا إلى ليبيا مدرسا في جامعة الإمام محمد بن علي السنوسي الإسلامية وظل مدرسا فيها ستة عشر عاما إلى سنة ١٩٧٧م. وفي هذه الآونة انتسب إلى الأزهر وحصل على الشهادة العالية الليسانس وتلقى عنه خلق كثيرون في ليبيا، أخذوا عنه التجويد والقراءات حتى إن شيخنا أفرد كتابا خاصا لهم برواية قالون لأنهم يقرؤون بهذه الرواية، والتقى شيخنا رحمه الله سنة ١٩٧٢م بأعلى القراء إسنادا في هذا العصر المقرئ الكبير بالقاهرة الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات وقرأ عليه ختمة بالقراءات العشر من طريق الطيبة وأجازه، وبعدها قرأ ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة وأجازه، وفي عام ١٩٧٧م ودع ليبيا متوجها إلى المدينة المنورة على ساكنها أزكى الصلاة والسلام وعين معيدا في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سنة ١٣٩٧هـ، وانتفع منه خلق وطلاب كثيرون في الجامعة وغيرها، وفي هذه الفترة أخرج شيخنا كتابه العجيب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" فجاء الكتاب حلوا حاويا لشتى المسائل في علم التجويد، وما إن بزغ نجم هذا الكتاب حتى تلقاه الناس بالاهتمام، وأقبلوا عليه ينهلون من رحيقه، وينتفعون بما فيه من أحكام التلاوة التي قل أن نجدها في غيره ويدرك ذلك من يطالع الكتاب. ومن أبرز كتبه: الطريق المأمون إلى أصول رواية قالون، وهداية القاري إلى تجويد كلام الباري، وشرح الدرة. وللشيخ تلاميذ كثر، أبرزهم الشيخ محمد تميم الزعبي، وعبد الرحيم البرعي السوداني، والشيخ فتحي رمضان محمد محمود، والشيخ عبد الرحيم محمد الحافظ، وإدريس بن الجيلاني الفارسي المالكي، وغيرهم كثر. وفي يوم الأربعاء 1409هـ، استأذن الشيخ لكي يتوضأ ويصلى صلاة العصر من طالب كان يقرأ عليه القرآن برواية حفص عندما وصل إلى سورة الملك، وعند وضوئه، شعر الشيخ بتعب في جسده، وطلب من أحبابه أن ينقلوه إلى المستشفى، وفي الطريق فارق الشيخ الحياة وأسلم روحه إلى بارئها، وصلى عليه بعد فجر يوم الخميس في المسجد النبوي الشريف، ودفن بالبقيع.