هو الشيخ الإمام العالم المفتي المحدث بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن ابن إبراهيم بن منصور المقدسي الحنبلي، وهو ابن عم الحافظ الضياء، والشمس أحمد والد الفخر بن البخاري. ولد بقرية الساويا عام 555هـ، وكان أبوه يؤم بها، ثم هاجر أبوه من حكم الفرنج فسافر تاجرا إلى مصر، ثم ماتت أمه فكفلته عمته فاطمة، وختم القرآن سنة سبعين، ثم ارتحل في سنة 572هـ في صحبة الشيخ العماد فسمع بحران من أحمد بن أبي الوفاء، وجرد بها الختمة، فجمعوا له فطرة واشتروا له بهيمة وسار إلى بغداد، وقد سبقه العماد ومعه ابن راجح وعبد الله بن عمر بن أبي بكر. وسمع بالموصل من خطيبها، فسمع ببغداد من شهدة الكاتبة كثيرا، ومن عبد الحق وأبي هاشم الدوشابي، ومحمد بن نسيم، وعبد المحسن بن تريك وطبقتهم، ونسخ الأجزاء، وحصل وسمع بدمشق من محمد بن بركة الصلحي، وعبد الرحمن بن أبي العجائز، والقاضي كمال الدين الشهرزوري، وروى الكثير بدمشق وبنابلس وبعلبك، وكان بصيرا بالمذهب. وقد رجع إلى دمشق قبل وفاته بيسير، واجتهد في كتابة الحديث وتسميعه، وشرح كتاب "المقنع"، وكتاب "العمدة" للشيخ الموفق. وقد قال عنه الحاجب: كان مليح المنظر، مطرحا للتكلف، كثير الفائدة، قوالا للحق، ذا دين وخير لا يخاف في الله لومة لائم، راغبا في الحديث، كان ينزل من الجبل قاصدا لمن يسمع عليه، وربما أطعم غداءه لمن يقرأ عليه، وانقطع بموته حديث كثير. وقال عنه الضياء: كان فقيها، إماما، مناظرا، اشتغل على ابن المني، وسمع الكثير، وكتبه، وأقام سنين بنابلس بعد الفتوح بجامعها الغربي، وانتفع به خلق، وكان سمحا، كريما، جوادا، حسن الأخلاق، متواضعا. وقد توفي المقدسي في سابع ذي الحجة سنة 624هـ، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.