هو فضيلة الشيخ أبو الحسن عماد الدين علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي الشافعي. ولد سنة 450هـ في طبرستان، وسكن بغداد فدرس بالمدرسة النظامية، ثم رحل من طبرستان لطلب العلم وعمره ثمانية عشر سنة إلى نيسابور قاصدا إمام الحرمين، فلازمه حتى برع في الفقه وأصوله، ثم دخل بيهق ودرس بها مدة، وحدث عن زيد بن صالح الآملي وجماعة، كما تتلمذ الهراسي على يد ثلة من شيوخ عصره منهم: إمام الحرمين الجويني، وأبو الفضل زيد بن صالح الآملي الطبري، وأبوعلي الحسن بن محمد الصفار. بعد دراسته في بيهق دخل بغداد، واتصل بخدمة الملك بركياروق بن ملك شاه السلجوقي، وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه، وتولى القضاء. وله معرفة واسعة بعلم الحديث حتى بلغ مرتبة المحدث، وكثيرا ما يستعمل الأحاديث في مناظرته ومجالسه، ثم تولى رئاسة النظامية عاما واحدا سنة 493هـ. كان الهراسي ذكيا حاذقا من معيدي دروس إمام الحرمين، وثاني أبي حامد الغزالي، وكان بارعا في الفقه والأصول والخلاف، إماما نظارا قويا في البحث، رقيق الفكر جهوري الصوت، حسن الوجه جدا أحد الفصحاء. ثم أصبح الهراسي من خطباء السلطان محمد بعد الصلح الذي سعى إليه في الجانب الغربي، ولابن أخيه بالجانب الشرقي، ثم قتل الأمير إياز وحملت إليه الخلع والدولة والدست، وحضر الوزير سعد الدولة عند الكيا الهراسي، في درس النظامية، ليرغب الناس في العلم، وفي ثامن رجب أزيل الغبار عن أهل الذمة الذين كانوا ألزموه في سنة 484هـ، ولا يعرف ما سبب ذلك. وكان الهراسي وجيها مسموع الكلمة عند السلطان بركيارق، وقد حكى أنه حين بعثه السلطان في رسالته إليه عما شاهده عنده من أمور السلطنة في ملبسه ومجلسه، وما رأى عنده من الأموال والسعادة الدنيوية، قال: "رأيت شيئا عجيبا"، وقد وعظه بحديث لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا. كما تتلمذ على يده العديد من كبار الأئمة، منهم أحمد بن علي بن محمد الوكيل، أبو الفتح البغدادي المعروف بابن برهان، وسعيد بن محمد بن أحمد، أبو منصور الرزاز، أحد أئمة الشافعية في بغداد، وعبد الله بن محمد بن غالب، وسعد الخير بن محمد الأنصاري، ومحمد المهدي ابن تومرت الصنهاجي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة، أبو طاهر السلفي، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القادر بن هشام الخطيب، والخضر بن نصر بن عقيل، أبو العباس الإربلي، الفقيه الشافعي، وعمر بن محمد بن أحمد بن عكرمة، أبو القاسم ابن البزري، الشافعي العلامة فقيه أهل الجزيرة، وعبد الواحد بن الحسن بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم. وله العديد من الفتاوى والآراء الفقهية والعقدية القوية، كما أن له الكثير من المؤلفات أبرزها، أحكام القرآن، والتعليق في أصول الفقه، وتلويح مدارك الأحكام، ومطالع الأحكام، وشفاء المسترشدين في مباحث المجتهدين، ولوامع الدلائل في زوايا المسائل. توفي الهراسي في بغداد، يوم الخميس مستهل شهر الله المحرم سنة 504 هـ، وله ثلاث وخمسون سنة وشهران، وكانوا يلقبونه شمس الإسلام.