هو أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، ولد سنة 909هـ. وهو فقيه شافعي المذهب، ومؤرخ، ومحدث، ومتكلم. لُقب بابن حجر نسبة إلى جدّ من أجداده، وكان ملازماً للصمت لا يتكلم إلا عن ضرورة أو حاجة، فشبه بالحجر، ولقب بالهيتمي نسبة إِلى محلّة أبي الهيتم من إقليم الغربية بمصر وهو محل مولده. توفي والده وهو صغير فكفله الإمامان شمس الدّين بن أبي الحمائل، وشمس الدّين الشّنّاوي، فحفظ القرآن في صغره، ثم إن الشمس الشّنّاوي نقله من محلّة أبي الهيتم إلى مقام أحمد البدوي، فقرأ هناك في مبادئ العلوم، ثم نقله في سنة 924هـ إلى جامع الأزهر، فأخذ عن علماء مصر، فجدّ واجتهد ليحصل على علوم أئمته المشهورين، ودار على كثير من حلقاته طالبًا شتى العلوم، فبرع بالفقه الشافعي، وأصبح أفقه أهل عصره، وبرع كذلك في علوم كثيرة من التفسير والحديث، والكلام وأصول الفقه، وعلم التوحيد والفرائض، والحساب والنحو والصرف، والمعاني والبيان والمنطق والتصوف، وعلى الرغم من علمه الهائل إلا أنه كان متواضعًا ولا يغتر بنفسه أبدًا، ويحترم أهل العلم، ويواظب على العلم، بالتصبر والتأني في تأليفه وفتواه. وتابعت زياراته لمكة لأداء فريضة الحج والمكوث بها فترة من الزمن، فسافر إليها أول مرة في عام 933هـ، ثم عاد إلى مصر. ثم عاود الذهاب إلى مكة سنة 937هـ، واصطحب أهله معه، ثم حجّ مرة أخرى عام 940هـ، وجاور من ذلك الوقت بمكة، وأقام بها يدرس ويفتي ويؤلف، إلى أن توفي. وأخذ عنه من لا يحصى كثرة، وازدحم الناس على الأخذ عنه وافتخروا بالانتساب إليه. حتى أن ابن العماد الحنبلي قال: "الإمام العلّامة البحر الزاخر". وقال أيضا: "وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الأعلام، بحرا لا تكدره الدّلاء، إمام الحرمين كما أجمع عليه الملأ، كوكبا سيّارا في منهاج سماء الساري، يهتدي به المهتدون تحقيقا لقوله تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}، واحد العصر، وثاني القطر، وثالث الشمس والبدر، أقسمت المشكلات ألا تتضح إلّا لديه، وأكدت المعضلات أليتها ألا تنجلي إلا عليه، لا سيما وفي الحجاز عليها قد حجر، ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر". وأثنى على فضله جمع كثير من العلماء والأئمة. ومن أبرز الشيوخ الذين أخذ عنهم وتلقى على أيديهم مختلف العلوم الشيخ زكريا الأنصاري، والشيخ عبد الحق السنباطي، والشمس المشهدي، والشمس السمهودي، والأمين الغمري، وشهاب الدين الرملي، والطبلاوي، وأبو الحسن البكري، والشمس اللقاني الضيروطي، والشهاب بن النجار الحنبلي، والشهاب بن الصائغ. وله العديد من المصنفات في عدة علوم، فألف في الفقه، إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام، والإتحاف ببيان أحكام إجارة الأوقاف، والإعلام بقواطع الإسلام، والإفادة لما جاء في المرض والعيادة، والإمداد بشرح الإرشاد، وفتح الجواد بشرح الإرشاد، وإيضاح الأحكام لما يأخذه العمال والحكام، والإيضاح والبيان لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان، والإيعاب شرح العُباب، وتحرير المقال في آداب وأحكام وفوائد يحتاج إليها مؤدبو الأطفال، وتحفة الزوار إلى قبر النبي المختار، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج، والكثير غيرها. وفي الحديث ألف الأربعون العدلية (الأربعون حديثاً في العدل)، والإفصاح عن أحاديث النكاح، وإلصاق عوار الهَوَس بمن لم يَفهم الاضطراب في حديث البسملة عن أنس، وفتح الإله في شرح المشكاة. وأبرز ما صنف في العقيدة الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، والقول المختصر في علامات المهدي المنتظر. وأيضا ألف أسنى المطالب في صلة الأقارب، والدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود، في التصوف والتزكية. ومن مصنفاته في السيرة والتاريخ أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل، وتحفة الأخبار في مولد المختار (مولد ابن حجر)، وتطهير الجنان واللسان عن ثلب معاوية بن أبي سفيان، والخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، وغيرها الكثير. توفي ابن حجر الهيتمي في مكة المكرمة، ودفن في مقبرة المعلاة في تربة الطبريين في رجب سنة 974هـ.