تاج الدين السبكي

والملقب بـ

هو العلامة الشيخ أبو نصر تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، أبو نصر، قاضي القضاة، المؤرخ، الباحث. ولد في القاهرة، وانتقل إلى دمشق مع والده الفقيه تقي الدين السبكي وهو صغير فسكنها وعاش حياته وأصبح من أشهر القضاة في دمشق وتوفي بها. نسبته إلى سبك (من أعمال المنوفية بمصر). وكان طلق اللسان، قوي الحجة، انتهى إليه القضاء في الشام وعزل. وتعصب عليه شيوخ عصره فاتهموه بالكفر واستحلال شرب الخمر، وأتوا به مقيدا مغلولا من الشام إلى مصر. ثم أفرج عنه، وعاد إلى دمشق، فتوفي بالطاعون. قال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض مثله. وكانت له جهود عظيمة في خدمة الدين في علم التوحيد والفقه وأصوله، وله كتاب مشهور في طبقات الشافعية اسمه طبقات الشافعية الكبرى. وهو من الأئمة المجتهدين، وقد وصفه المحدث الشهاب أحمد بن قاسم البوني بقوله: "الإمام المجمع على جلالة قدره وتمام بدره، بل قيل لو قدر إمام خامس مع الأئمة الأربعة لكان ابن السبكي". ومن أبرز شيوخه والده، والحافظ المزي، والحافظ الذهبي. وأجازه شمس الدين بن النقيب بالإفتاء، وقد أفتى ولم يتجاوز عمره ثماني عشرة سنة، والشيخ نجم الدين القحفازي كان يقرأ عليه بجامع تنكز، والشيخ أبي العباس الأندرشيكان كان يقرأ عليه بالجامع الأموي، وغيرهم الكثير. وله مؤلفات كثيرة منها: طبقات الشافعية الكبرى والوسطى والصغرى، والسيف المشهور في شرح عقيدة أبي منصور، ومعيد النعم ومبيد النقم، وشرح مختصر ابن الحاجب، وشرح منهاج البيضاوي في أصول الفقه المسمى الإبهاج شرح المنهاج، والقواعد المشتملة على الأشباه والنظائر، والترشيح في اختيارات والده، وجمع الجوامع في أصول الفقه، وشرحه المسمى منع الموانع. وكان الإمام تاج الدين السبكي صاحب دعوة إصلاحية للمجتمع، فهو لم يرض أبدا عن حال الأمة في ذك الوقت، ذلك أن التاج السبكي وكما وصفه الأستاذ محمد صادق حسين: "من أولئكم الرجال ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة، أولئكم الذين يسمون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة، ويأبون – وإن تهيأت لهم كل أسباب الراحة – أن يصبروا على فساد بيئة أو طغيان قوة أو موت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الرجال الذين يرحبون بالفساد يستغلونه لمآربهم... ويسخرونه لمنافعهم". كما تولى التاج السبكي مشيخة العديد من المدارس الكبار، التي كانت مشهورة بين كبار العلماء والطلبة في عصره، فمن هذه المدارس التي تولاها مدرسة الحديث الأشرفية، والمدرسة الأمينية، ومدرسة التقوية، والدماغية، والشامية البرانية، والعادلية الكبرى، والعذراوية، والعزيزية، والغزالية، والمسرورية، والناصرية الجوانية. كما تولى التدريس في عدد من مدارس مصر في الشيخونية وجامع ابن طولون وجامع الشافعي، وقد كانت دروس التاج السبكي دروسا حافلة بالتحقيقات الرائعة والمسائل الفائقة التي تبهر جل الحاضرين، ويصف ابن كثير في البداية والنهاية صورة درس التاج السبكي الأول في الأمينية فيقول: "كان درسا حافلا أخذ في تفسير قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) فاستنبط أشياء حسنة وذكر ضربا من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة، أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج (أي من غير تردد في الكلام) ولا تنحنح ولا تكلف، فأجاد وأفاد، وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم؛ حتى قال بعض الأكابر إنه لم يسمع درسا مثله قط". وبالإضافة إلى التدريس كان التاج السبكي قد تولى خطابة الجامع الأموي، بعد وفاة ابن جملة سنة 764هـ. وإلى جانب التدريس فقد تولى الشيخ وظيفة موقع الدست في دار العدل عن نائب الشام أمير علي المارديني سنة 754هـ، وناب في الحكم عن أبيه عدة مرات، وتولى مشيخة قاضي قضاة الشام لأكثر من مرة. ومن أشهر تلاميذ الشيخ الإمام قاضي القضاة مجد الدين الفيروزآبادي الشيرازي اللغوي، والشيخ عز الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز الحموي الشافعي المعروف بابن جماعة، والشيخ أبو موسى محمد بن محمود بن إسحاق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي، والشيخ علاء الدين حجي بن موسى بن أحمد بن سعد الحسباني الشافعي، وعمران بن إدريس بن معمر الجلجولي ثم الدمشقي الشافعي، والشيخ شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود الشيخ البغدادي الحنبلي، وغيرهم. وبعد حياة حافلة بالعطاء في التدريس والقضاء والإفتاء، أصيب الإمام التاج السبكي بالطاعون ليلة السبت، ثم توفي ليلة الثلاثاء السابع من شهر ذي الحجة سنة 771هـ، عن أربعة وأربعين عاما تقريبا، وقد كانت جنازته جنازة حافلة حيث صُلي عليه أكثر من مرة، وحضر نائب السلطنة، وحمل نعشه الأمراء الكبار، وقد شيعه خلائق كثر، ودفن بمقبرة السبكيين بسفح جبل قاسيون بدمشق.

كتب المصنف في الموقع