يصنف هذا الكتاب ضمن كتب التفسير الفقهي للقرآن الكريم خصوصا عند الحنفية لأنه يقوم على التركيز على مذهبهم والترويج له والدفاع عنه. ويعد هذا الكتاب في الحقيقة مع مقدمته الأصولية المسماة "الفصول في الأصول" آخر ما كتب الجصاص؛ ففيها خلاصة رحلته العلمية السابقة. وهو يهدف -كما هو واضح من تسميته- إلى شرح آيات الأحكام ودلالاتها التفصيلية وما يُستنبط منها من أحكام وفوائد. وترجع أهمية الكتاب إلى قيمته العلمية إذ هو من كتب التفسير المتقدمة نسبيا، ومؤلفه من كبار علماء القرن الرابع الهجري الذين قدموا للمكتبة الإسلامية مجموعة من المؤلفات الضخمة، هذا إلى جانب تأثيره في الكثير من العلماء الذين خلفوه كالكياهراسي الشافعي والإمام فخر الدين الرازي والقرطبي وابن كثير والنووي والزيلعي والزركشي والآلوسي والكوثري وغيرهم. ويستدل الجصاص في أسلوبه بالآيات المماثلة والأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين وأقوال علماء الفقه واللغة والشعر، غير مهملٍ الاستدلال بالنظر والمنطق. كما أنه ذكر في مسائل الخلاف كمًّا هائلا من الآراء الفقهية لأعلام الفقهاء مناقشا لها ومرجحا لما ارتآه صوابا بلغة سهلة وأسلوب واضح. وهو -وإن كان يسير على ترتيب سور القرآن- إلا أنه قد بوَّب للمسائل التي يتعرض لها كتبويب كتب الفقه، فعَنْوَن لكل باب من أبوابه بعنوان تندرج تحته المسائل التي يتعرض لها بالبحث والمناقشة، وهو في بعض الأحوال يقسم هذه الأبواب إلى فصول، يبرز فيها الكلام عن جزئيات بعض المسائل التي يتناولها مستخدما في ذلك المنهج الاستقرائي. ثم إنه بعد كل مسألة تقريبا يفترض اعتراضات كثيرة بقوله "فإن قال قائل" أو "فإن قيل"، ثم يجيب عنها بجوابات دقيقة مفصلة. ثم إنه يطيل النفس في تفسير السور التي حوت كثيرا من آيات الأحكام كالبقرة والنساء والمائدة والنور والحجرات وغيرها، أما باقي السور فهو يمر بها مرورا خفيفا مكتفيا بذكر بعض الفوائد والأحكام الفقهية أو ذاكرا بعض الخواطر التفسيرية العامة، مثلما فعل مثلا في تفسير آل عمران. وهو حريص على الجمع والتوفيق كلما أمكن ذلك سواء كان ذلك بين أقوال السلف المختلفة أو أسباب مختلفة للنزول أو معانٍ عدة يحتملها النص القرآني، فهو لا يصير إلى الترجيح إلا عند تعذر الجمع. أما عن محتوى الكتاب فقد قدم الجصاص لهذا الكتاب بالمقدمة المسماة بـ"الفصول في الأصول" تشتمل على قسمين كبيرين، أولهما خاص بأصول العقيدة والتوحيد، وثانيهما يتعلق بأصول الفقه. ثم تناول في تفسيره آيات الأحكام مرتِّبا لها كما جاءت في سورها، مستنبطا ما تضمنته من أحكام ودلالات. أما عما اعتمد عليه الجصاص من مراجع في كتابه، فهو يُعد الكتاب الثالث الذي أُلِّف بهذا العنوان على مذهب الحنفية، وقد سبقه في ذلك الشيخ علي بن موسى القُمِّي (ت٣٠٥ه) والإمام أبو جعفر الطحاوي (ت٣٢١ه) حيث ألف كل منهما كتابا سماه بـ"أحكام القرآن". وقد أفاد الإمام الجصاص من هذين الكتابين. ثم إنه أفاد من كتب التفسير كالصنعاني والطبري ومعاني القرآن للفراء وللزجاج، وأفاد من كتب السنة بصريح لفظه كموطأ الإمام مالك وسنن أبي داود، كما أفاد من كتب اللغة والنحو والفقه والأصول وغيرها. ويؤخذ على الكتاب شدة تعصب المؤلف للمذهب الحنفي وحملته على مخالفيه إلى جانب كثرة استطراداته وانتقاده للرواة من غير وجه وذكره لبعض الطرق الضعيفة في مجال التفسير بالمأثور.