كان هذا الكتاب من عداد الكتب المفقودة لفترة طويلة من الزمن، ثم تم العثور على الجزء الأول منه والذي يتكون من مجلدين، وما زال الجزء الثاني والذي يتألف من مجلدين أيضا مفقودا. وينتمي الكتاب إلى قسم التفسير الفقهي حيث يهدف إلى عرض الأحكام الفقهية التي استنبطها المصنف من كتاب الله تعالى مع إيراده أقوال الأئمة الفقهاء من الصحابة والتابعين وتابعيهم. وللكتاب أهمية كبيرة وقيمة علمية متميزة؛ إذ إن مؤلفه قد اشتهر في علمي الحديث والفقه، وقلَّ من جمع بينهما من علماء عصره. ويعد كتابه هذا هو الكتاب الثاني الذي بلغنا في هذا الباب، أما الكتاب الأول فهو "أحكام القرآن" للشافعي الذي جمعه البيهقي من نصوص الإمام الشافعي. وأما ترتيب كتاب الطحاوي من حيث ترتيبه في التأليف في هذا النوع فهو الكتاب الخامس بعد كتب الشافعي والمروزي وابن إسحق الأزدي وأبي الحسن القمي الحنفي. أما منهجه الذي سار عليه فإنه يأتي بالآية التي يريد كشف معانيها واستخراج ما فيها من أحكام ويقول: "تأويل قول الله عز وجل"، ثم يورد وجوه القراءات الواردة في الآية إن وُجدت، ويذكر سبب نزولها إن كان موجودا، ثم ينظر في كتاب الله هل توجد فيه آية تبين معنى هذه الآية؟ وكذا في أحاديث السنة، ثم ينظر فيما روي عن الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المجتهدين فيثبت ما ورد عنهم في هذه الآية، فإن كان في الآية خلاف رجَّح وأيَّد رأيه بالأدلة وقواه بالقياس، يقول الكوثري: "وله منهج حكيم في ترجيح الروايات بعضها على بعض من غير اكتفاء بنقد رجال السند فقط، وهو دراسة الأحكام المنصوصة، وتبيين الأسس الجامعة لشتى الفروع من ذلك، فإذا شذَّ الحكم المفهوم من رواية راوٍ عن نظائره في الشرع يعد ذلك علة قادحة في قبول الخبر". ويتميز الكتاب بأن مؤلفه رتبه على حسب أبواب الفقه، وجمع في كل باب ما يتعلق به من الآيات دون نظر إلى ترتيب الآيات والسور. ثم إنه يسير على منهج السنة في تقديم المعنى الظاهر للآية على المعنى الباطن، وكذا المعنى العام على المعنى الخاص، إضافة إلى تبيين الناسخ والمنسوخ. وربما جاء في الكتاب ما صح عند الطحاوي من الأخبار والروايات وهي محل نزاع بين أهل الحديث، هذا مع انتمائه للمذهب الحنفي كما هو معلوم.