هذا الكتاب للشيخ الداعية المعروف عبد العزيز الطريفي يتناول "العقل الليبرالي" ويوضح فساد هذا العقل بالرغم من قول أصحابه بالحيوية والأخذ والرد في التفكير. ويصف كاتبنا الليبرالية بأنها فكر عقلي يبدأ من العقل وينتهي إليه، يتسع باتساع العقل وقوته، ويضعف بضعفه، وبدون شيء يتحاكم إليه غيره في شأن الفرد وفي شأن المجتمع ونظام. !ومن خلال صفحات الكتاب يبين المؤلف من خلال الشواهد والدلائل أن العقل الليبرالي ضحية عُجب وطيش أصحابه، وأنه تعرض لموجات من التغييب والتزييف، ويشير إلى أن الحياة لا تقوم إلا بالمادة، وأن الآخرة لا تقوم إلا بالعقيدة، وكما أن المادة يمكن تزييفها كما يزيف الذهب والفضة والنقود؛ فكذلك العقائد والأخلاق والأفكار يمكن تزييفها، وفي هذه الحالة يكون من الصعب عليها التحول، بل تكابر وتعاند؛ إلا النفس الزكية وهي نادرة الوجود، فالنفوس إذا تطبعت على الخطأ وطال الزمن عليها تصلبت حتى تكون أقسى من الحجارة في وجه التحول.ويؤكد الطريفي في كتابه أن التعرض لإظهار عيوب الأفكار والأشخاص بتجرد، يفتح على الكاتب طريقين: النصيحة والتأنيب، وهو أمر يدرك أن له تبعات، ويحتاج الكثير من الصبر وسعة الصدر؛ لذا فهو ينبه في مفتتح كتابه إلى أن صاحب الصدر الحرج والطباع الخائرة لن يتمكن من فهم مقصوده.ولا يرى الطريفي إشكالا في تعامل العقل مع المادة؛ وإنما الإشكال في إرسال العقل ليخوض في ظلام المادة فيرى منها رأس ظفرها فيظن أنه رآها جميعها، وخالقه وخالقها يأمره وينهاه وهو يكابر الخالق ويخاصمه وينطلق يردد: "هذا ما رأيت.. وهذا ما أرى". وعلى هذا فالفكر الليبرالي ضد التقعيد والتأصيل، ومن ثمار ذلك أنه بدون لديهم مقدس أو معظم من كتاب أو منظر لا يُخرج عن قوله، وإنما هو عقل الفرد عليه تدور الأفعال والأقوال، وهذا سبب عدم فهم كثير من الناس لليبرالية والخطأ في تفسيرها، والانسياق خلف صورة واحدة وتركٍ للباقي، وهذا الاضطراب أصبح عائقا عن معرفة مقادير الصواب والخطأ عند معتنقي الليبرالية.ويتناول الكتاب موضوعات ثلاثة: طبيعة النفس في تعاملها مع الأفكار ومعوقات العقل عن الوصول إلى الحكم الصحيح؛ السياق التاريخي لنشوء الليبرالية؛ الأصول التي يستند عليها الفكر الليبرالي. يقوم الفكر الليبرالي على أربعة أصول :التحليل المادي، وهو الأصل العقلي الذي يرتكز عليه بنيان هذا الفكر، فالفرد لا بد أن يتصرف في شأنه ونظامه كما يريد هو بعقله بلا تأثير عقل آخر فضلا عن تأثير دين الإسلام أو غيره؛ الحرية؛ المساواة؛ الأنانية وحب الذات. ويأخذ الشيخ كل أصل إلى نهايته فيفصل في بداية ظهوره وتاريخه وتجسده في أخلاق الليبراليين ومنهج حياتهم وغايته التي انتهى إليها بعدما تشوه وانحرف .يتميز الكاتب بجهده في فهم ووصف الليبرالية حيث لجأ إلى السياق التاريخي والاجتماعي بدلا من الاعتماد على التحليل اللفظي للمصطلح ومحاولة ترجمته، واللفظ بطبيعة الحال غير قادرعلى استيعاب كل أصول وتطبيقات الفكرة وتطورها مع الزمان. وقد وُفق الكاتب كثيرًا في تقسيم كتابه والنهج الذي اتبعه لعرض فكرة الليبرالية وتبسيط ومفاهيمها ونظرة الإسلام لها من ناحية دينية وتاريخية. ودعّم ذلك بالكثير من الآيات والأحاديث النبوية فجمع في حجته بين العقل والنقل. ولم يدع الكاتب فرصة لعرض أثر تحكيم العقل والمنطق ومقدار تقلب قرارات العقل بين زمن وأخر من ذات الشخص مما لا يستحق تنصيبه حكمًا يستند المرء عليه. فللعقل تناقضاته التي تجاري سوء انجراف العواطف أحيانًا فيتأثر منطقه بالمؤثرات الخارجية مما يضعف حكمه او يسكنه في زاوية محدده فقط.كما استشهد الكاتب بأقوال بعض فلاسفة الغرب وحكمائهم، وربط تسلسل ظهور الأفكار المماثلة لليبرالية والتي سبقتها بقرون وهي مشتركة معها في المبادئ والغايات، كما قام الكاتب بتوضيح العلاقة الوثيقة بين الليبرالية وبين والدتها العلمانية والفكر المادي وغيرها من العوامل والمقومات التي أسهب الكاتب في سردها بوضوح وقوة حجة وبيّنة وإيجاز مع كفاية التحليل والوصف وعلو في الأسلوب واللغة وتعظيم للدين وللشريعة.