هذا هو الكتاب الأول في سلسلة "هذا هو الإسلام" ضمن أحد عشر كتابا للمفكر الإسلامي المعروف الدكتور محمد عمارة. وهو يجيب عن سؤال: لماذا أبدع المسلمون في الحضارة وعلومها المدنية والطبيعية منذ القرن الهجري الأول، بينما أدخلت النصرانية الغربية أوربا عصورها المظلمة - عصور الجهالة العلمية والفكرية - لعشرة قرون؟ وغير ذلك من الأسئلة.والكتاب ينقسم إلى جزأين: الأول عن "الدين والحضارة"، ويتناول في فصول سبعة مفهوم الإسلام - الدين، والإسلام - الحضارة، والعدل الإسلامي، والسماحة الإسلامية، والعقلانية الإسلامية، والإبداع الحضاري المبكر. والجزء الثاني "عومل امتياز الإسلام - شهادة غربية" وهو عبارة عن مقتطفات من شهادة المستشرقة الألمانية الكبيرة سيجريد هونكه في كتابها الأشهر "شمس الله تشرق على الغرب"، يبرز فيها آراءها حول سماحة الإسلام، والجهاد الإسلامي، والتحرير الإسلامي للمرأة، والعقل اليوناني، والعقل المسيحي الأوروبي، ورفض المسيحية للفكر اليوناني، والعقل الإسلامي، وانتصار الفكر الأوروبي على النظرة اليونانية والمسيحية للطبيعة، وأصول النهوض الإسلامي. والكتاب في مجمله إعلان صريح لعالمية الدين الحق دين الإسلام، بتوحيده الصافي وشريعته المحكمة وسبيله القويمة، يبرز الكاتب من خلاله عظمة الإسلام ومقومات التصور الإسلامي والحضارة الإسلامية، داحضا - في ضمن تقريراته - نواتج الفهوم السقيمة عن الدين القيم، سواء من أهل الكتاب أو من لف لفهم من اليساريين والعلمانيين، ويبين الهوة البعيدة بين ما كانت عليه أوروبا المسيحية حتى عهد قريب وبين الحضارة الإسلامية في جميع المجالات. ولهذا يعد الجزء الأول من الكتاب - ويقع في 52 صفحة - ملخصا جيدا لأي قارئ عن الحضارة الإسلامية ودعائمها الراسخة في مقابل الحضارة الغربية.أما الجزء الثاني فهو بمثابة تعزيز لما أجمله في الجزء الأول، لكن على لسان واحدة من العلماء المختصين ذوي المكانة في هذا الشأن، وهي المستشرقة الألمانية المنصفة "سيجريد هونكه"، والتي يعد كتابها "شمس الله تسطع على الغرب - أثر الحضارة العربية في أوروبا" من أشهر الكتب التي تتناول تاريخ العرب وتأثير حضارتهم وعلمائهم واختراعاتهم على الحضارة الغربية وما نجده في عصرنا هذا مرتبطا بالحضارة الإسلامية، وتأثر اللغات الأوروبية باللغة العربية وحضارة الأندلس. والكاتب هنا يقدم لنا على مدى 53 صفحة ملخصا قيما للكتاب الأصلي - ويقع في 588 صفحة في نسخته العربية - لكنه لا يغني عن قراءته لما في الأصل من معلومات وآراء وتحليلات نفيسة نظرا لمقام صاحبتها من جهة دراستها المتعمقة للحضارتين الإسلامية والغربية على حد سواء. ونجد في تحليل مؤلف الكتاب وكذلك لدى صاحبة الشهادة البيضاء هدم للقوالب التي وضعها أعداء الإسلام لتمييع مفاهيمه، من مثل "الحرب المقدسة" و"الحكم الديني" وغيرها..ويمتاز أسلوب الدكتور محمد عمارة بالسهولة والإمتاع، فهو يمزج بين الكتابة العلمية والأدبية، موثقا بالمصادر والمراجع وبعيدا عن التكلف والتعقيد. ولهذا فهو يخاطب القارئ العربي المثقف مهما كان مستواه. إضافة إلى كونه مفعما بالعاطفة الإسلامية الجياشة والروح الإسلامية الصافية. فإذا ما جاوزنا الأسلوب إلى المحتوى وجدنا كاتبنا متميزا باطلاعه على الأفكار والثقافات الغربية متمكنا منها ومن نقدها بموضوعية وطول نفس كما هي عادته بل وكما هي معركته التي شمر لها منذ بداياته، حيث انتدب قلمه لمشروعه الفكري الذي يحيي من خلاله أصول الإسلام وسطا بين اغتراب المغتربين وجمود بعض المتدينين. لكن محمد عمارة - رحمه الله - أتي من هذه النقطة تحديدا حيث جنح إلى شيء من تعظيم دور العقل ورموز الفكر العقلاني كما في هذا الكتاب وغيره من الكتب ونسب إلى المدرسة العقلانية المستنيرة، وإن كانت كتاباته المتأخرة أجود من سابقاتها ونلمس فيها بوضوح تعظيمه للقرآن والسنة والسلف الصالح وأهل السنة والجماعة وأئمتهم كابن القيم وابن تيمية وغيرهما.