الفصول في الأصول
الجصاص
الفصول في الأصول
نبذة عن الكتاب

يصنَّف هذا الكتاب ضمن كتب أصول الفقه الحنفي. وأصل الكتاب أنه بمثابة المقدمة العلمية والمدخل الأصولي لكتاب المؤلف "أحكام القرآن". وهذا يوضح أن السبب الذي دفع إلى تصنيف الكتاب هو اعتبار الجصاص أصول الفقه علما ضروريا قبل الولوج إلى أحكام القرآن ودلائله الذي لا يستغنى عنه منفصلا عن أصول الفقه. وقد تكلم الجصاص فعلا في مقدمة كتابه أحكام القرآن عن كيفية معرفة القواعد اللغوية التي تعين المجتهد على تفسير النصوص من الكتاب والسنة، وهو ما يسمى بـ"طرق استنباط الأحكام"، ثم أتبعها بالكلام على أدلة الأحكام. وتأتي أهمية الكتاب كونه أهم محطة في التجديد الأصولي بعد الإمام الشافعي، فإن الإمام أبا حنيفة لم يصرح بأصوله التي استنبط بها الأحكام كما فعل الإمام الشافعي، ولكن أقبل أتباعه على مسائله وفتاويه وتعرفوا من خلالها على الأصول التي اعتمدها، ومن أوائل وأهم من جمع هذه الأصول الإمام أبو بكر الجصاص في الفصول، بل يكاد يكون أول من ألف كتابا كاملا منسقا مترابطا في أصول فقه الحنفية؛ فهو من علماء القرن الرابع الهجري (ت٣٧٠ه)، ويعد كتابه هذا من أواخر مؤلفاته فحوى خلاصة تجاربه العلمية وتأليفه للشروح والمختصرات. ومن ثم احتل كتابه مكانة عالية بين كتب الأصول القديمة، فقل أن يخلو كتاب من النقل عنه لا سيما كتب الحنفية. ويوضح الجصاص هدفه من تصنيف كتابه بقوله في المقدمة: "معرفة طرق استنباط معاني القرآن، واستخراج دلائله، وأحكام ألفاظه، وما تتصرف عليه أنحاء كلام العرب، والأسماء اللغوية، والعبارات الشرعية". ويكثر الجصاص في أسلوب كتابته من النقاش بطريقة الإيراد والرد عليه، إضافة إلى ما اعتنى به على مستوى المضمون والشكل؛ فعلى مستوى المضمون أكمل المباحث اللغوية ومدلولات الألفاظ والموضوعات المشتركة بين الكتاب والسنة، والمباحث التي تستقل بها السنة عن الكتاب، كما طوَّر البحث في دليل الإجماع والقياس والاستحسان والاجتهاد. أما على مستوى الشكل والصياغة فقد تجاوز العرض المتفرق لمباحث الأصول الذي شهده كتاب "الرسالة" للشافعي، وذلك بترتيبه الأبواب والفصول ترتيبا منطقيا، وعرضه لمباحث الكتاب عرضا علميا منظما. والكتاب في منهجه يسلك المنهج التحليلي ويستنبط الأصول من أدلتها ويجمعها من مظانها التي تناولتها ويقارن بينها. ويتضح من محتوى الكتاب أن الجصاص تكلم في كثير من مسائل الأصول دون استيعابها؛ فتكلم في العام والمخصصات، والمجمل والبيان، والحقيقة والمجاز، والأمر وموجبه، والنسخ وأنواعه، وشرع من قبلنا، وأخبار الآحاد، وأسباب ترك العمل به لعلة خفية، والمرسل، والإجماع وأنواعه، والقياس، والعلة، والاستحسان، والاجتهاد والتقليد. وقد اعتمد الجصاص على بعض المراجع الأصولية الموجودة في عصره مثل "الجامع الكبير" لمحمد بن الحسن الشيباني، و"الحجج الصغير" لشيخه الكرخي عيسى بن أبان الذي أكثر من النقل عنه. مما يجعل الكتاب يمتاز بقيمة وثائقية مهمة لاشتماله على آراء ونصوص الأصوليين المتقدمين من الحنفية الذين فقدت كتبهم. ولكن ربما يؤخذ عليه اتفاقه مع المعتزلة في كثير من المواقف الكلامية، ودخوله مع "الرسالة" للشافعي في مناقشات طويلة حادة الأسلوب في بعض المواضع خصوصا في باب البيان، كذا نفيه إمكان رؤية الله تعالى لأهل الجنة وحمله أخبار الرؤية على العلم.