هذا الكتاب للعلامة أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي العالم المفسر، وهو دراسة قرآنية موضوعها بيان ناسخ القرآن والمنسوخ منه حسب الأصول والقواعد المتعارف عليها عند العلماء من أجل منع الاختلاف حول الناسخ والمنسوخ بين الناس. والكتاب يشمل مقدمات في أصول النسخ أجملها الإمام مكي بن أبي طالب في عشرة أبواب، حيث تكلم عن معنى النسخ في اللغة والاصطلاح في الباب الأول؛ والباب الثاني خصصه لبيان حقيقة النسخ وكيفيته، وقد سبق الإمام مكي غيره من العلماء بالأفكار التي ضمنها هذا الباب، و ربط في هذا الباب بين نزول القرآن منجما وإمكانية النسخ، وهي لفتة بارعة لمكي لم تُعرف لغيره، وقد ذكرها له السيوطي في "الإتقان"؛ أما الباب الثالث فقد خصصه لبيان النص على جواز النسخ للقرآن حيث ربط الآيات التي تدل على النسخ بمعاني النسخ اللغوية ودلالاتها؛ أما الباب الرابع فذكر فيه ما يجوز أن ينسَخ وما لا يجوز؛ والباب الخامس خصصه لبيان أقسام المنسوخ؛ والباب السادس جعله لما يجوز أن يكون ناسخا ومنسوخا، وتحدث فيه عن نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ القرآن بالسنة المتواترة، ونسخ السنة بالسنة، ونسخ القرآن بالإجماع، ونسخ الإجماع بإجماع بعده. ويذكر المحقق أنه من الملاحظ أن الإمام مكي لم يصرح في كتابه بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة وإنما اكتفى بإيراد الاختلاف فيه، وإن كان يشتم من شرحه في هذا الباب على هذه المسألة أنه يرجح بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة؛ ثم يعقد بابًا للفرق بين النسخ والتخصيص والاستثناء، ويخرج بناء على هذه الفروق عددا كبيرا من الوقائع التي ادعي فيها النسخ لأنها تخصيص أو استثناء وليست بنسخ. ثم يتبع ذلك بشرح لأقسام ما يخصص القرآن. ويجعل الباب التاسع لبيان شروط الناسخ والمنسوخ؛ أما الباب العاشر فقد جعله المؤلف جامع القول لمقدمات الناسخ والمنسوخ؛ ثم الباب الأخير يجمع جملة من آي القرآن نسخها شيء واحد من القرآن، ورتبه على ترتيب المصحف؛ ثم يختم ذلك بقوله: "قال أبو محمد: قد أتينا في كل أصل من أصول الناسخ والمنسوخ، والتخصيص بإشارة تذكر العالم، وتنبه الغافل، وتفيد الجاهل، واختصرنا كل ذلك مع بيان، وشرحناه مع إيجاز". وحرص المؤلف في هذا الكتاب على جمع ما تفرق في كتب المتقدمين، فلم يحتو واحد منهم على ما تضمنه هذا الكتاب، كما ذكر ما تباين فيه قولهم وما اختلفت فيه روايتهم، كما قام بتتبع كتب الأصول وجمعه منها مقدمات في أصول النسخ التي لا يستغنى عنها، وقد أهملها أو أكثرها كل من ألف في الناسخ والمنسوخ. كما ذكر ملاحظات على من كتب في النسخ ممن تقدمه، ونبه على أشياء دخلها وهم ونقلت على حالها في كتب الناسخ والمنسوخ، وأشياء لا تلزم في الناسخ والمنسوخ، وأشياء لا يجوز فيها النسخ، فذكر جميع ذلك وبين الصواب فيه قدر ما استطاع. وقد استعرض مكي في كتابه مائتي واقعة من الوقائع التي ادعي فيها النسخ، وقام برد هذه الوقائع، ولم يصح عنده منها إلا قليل، بالحجج التي ساقها والتطبيقات التي بنى عليها منهجه في الكتاب لبيان الناسخ والمنسوخ. وحقق هذا الكتاب الشيخ الدكتور أحمد حسن فرحات، ويعد هذا التحقيق ضمن اهتمامه بجمع تراث الإمام وتحقيقه، حيث كان موضوع أطروحته العلمية لنيل درجة الدكتوراه عن (مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن الكريم) حيث قام برحلة علمية جمع فيها جميع مؤلفات مكي بن أبي طالب المخطوطة من مكتبات العالم المختلفة، وكان كتاب "الإيضاح" من جملة هذه الكتب وذلك على أربعة نسخ خطية هي جملة مخطوطات الكتاب.