شرح حديث جبريل المسمى بالإيمان الأوسط هو الكتاب الثاني المتضمن ضمن المجلد السابع من مجموع فناوى شيخ الإسلام ابن تيمية، عقب كتاب "الإيمان الكبير". وابن تيمية في كتابيه الإيمان الكبير والأوسط تكلم على مسائل الإيمان ومسائل الأسماء والأحكام، وجاهد أهل البدع لا سيما المرجئة والخوارج بالحجج العقلية والنقلية، وقد قال ابن عبد الهادي رحمه الله عن الإيمان الكبير: "وله كتاب الإيمان، وهو كتاب عظيم لم يسبق إلى مثله". وقد احتوى الكتاب على أكثر من اثنين وعشرين فصلا تختلف بين الطول والقصر. أما الإيمان الأوسط فهو أصغر وفيه عناية وعمق بأصول أهل السنة التي بني عليها مذهبهم في الإيمان، وغفلة الخوارج والمرجئة عن هذه الأصول، وتحرير محال النزاع، وغير ذلك. ومن الفروق بينهما: توسع شيخ الإسلام في الكبير واستطراده لمسائل عديدة لم يعرض لها في الأوسط؛ الإيمان الأوسط كتاب كامل انتهى المؤلف من تأليفه، أما الكبير فهو ناقص في آخره كما ذكر ذلك الناسخ؛ عرض المسائل في الكتابين مختلف من حيث الإسهاب والاختصار؛ كثرة المصادر في الإيمان الكبير على عكس الأوسط؛ منهج الأوسط التقرير، بخلاف الكبير الرد والاستطراد. وكلاهما مطبوعان محققان؛ وكتاب الإيمان الأوسط الذي بين أيدينا محقق في رسالة دكتوراة وطبع باسم "شرح حديث جبريل" للدكتور علي بن بخيت الزهراني، وهي دراسة كبيرة متميزة للكتاب. فأصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها مؤلفها إلى قسم الدراسات العليا الشرعية فرع العقيدة بجامعة أم القرى، وتمت مناقشتها ونال بها المؤلف درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية فرع العقيدة بتقدير ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة.والباعث على تحقيق المحقق لهذه الرسالة هو أولا: العثور على نسخة جديدة نسخت بعد موت المؤلف -رحمه الله- بخمسة عشر عاما فقط. ثانيا: أن النسخة المطبوعة الموجودة في مجموع الفتاوى نسخة ناقصة ومخرومة من نهايتها، كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله.ويتكون التحقيق من مقدمة وقسمين: أما المقدمة: ففيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ومنهج التحقيق. وأما القسم الأول: الدراسة، وتشتمل على تمهيد وعدة مباحث: التمهيد: موضوع الإيمان ومذاهب الطوائف فيه، وبيان الراجح منها، وقد تم فيه تعريف الإيمان في اللغة، وذكر مذاهب الناس فيه. والمبحث الأول: دراسة موجزة عن المؤلف، وتشمل ترجمة مختصرة للمؤلف، حاول التركيز فيها على جوانب لم تلق حظها من العناية ومن ذلك التركيز على أسرته العلمية، وتلامذته الكثيرين.المبحث الثاني: دراسة تحليلية وتفصيلية عن الكتاب، وهذا المبحث هو أهم مباحث الدراسة على الإطلاق، وقد جاء في سبع مسائل أصلية، وعدة مسائل فرعية.ومجموع الفتاوى هو جمع وتبويب لفتاوى شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، الفقيه المحدث المفسر الحبر بحر العلم وإمام أهل السنة في زمانه، أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري (انظر ما ألف في مناقبه مثل: العقود الدرية، الكواكب الدرية، الشهادة الزكية، الأعلام العلية، القول الجلي، الرد الوافر، إضافة لكتب المعاصرين أمثال أبي زهرة وغيره). وقد جمع فتاويه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ورتبها على الأبواب، فجاءت كبيرة الحجم عظيمة النفع في 37 مجلدا.ومنهج شيخ الإسلام تقرير الأصول المعلومة أولا ثم تحرير محل النزاع وتبيان مواطن الاشتباه بردها إلى الأصول المتفق عليها، معتمدا على القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة وأقوال الصحابة وآراء السلف والأئمة، وفهم النصوص على مراد الله وعلى مراد رسوله ﷺ بفهم السلف، فقد كان يرى أن الشريعة أصلها القرآن، وقد فسره النبي ﷺ، والذين تلقوا ذلك التفسير من النبي هم الصحابة ثم نقلوها إلى التابعين. والشيخ رحمه الله قوي الحجة يعرض أقوال المخالفين ويفندها بالمنقول والمعقول. فقد كان رحمه الله يؤكد على موافقة المعقول للمنقول وشمولية النصوص للأحكام، فلم يكن يهمل العقل والفكر في دراساته، ولم يكن يجاوز به مجاله، ولا يجعله حاكما على نص قرآني أو حديث صحيح. وفقه ابن تيمية مبني على تحقيق مقاصد الشارع بجلب المصالح ودرء المفاسد، وقد أولى ابن تيمية هذا الجانب اهتماما كبيرا مبينا مقاصد الشارع من النصوص الشرعية، والأسباب التي رتبت عليها الأحكام، واهتم أيضا بدرء المفاسد المتمثل بأصل سد الذرائع. كما كان يراعي الأصول والقواعد العامة ويربط منهجه بالأصول والقواعد العامة، وسبب ذلك ملاحظته تفكك الأفكار واختلاف المفهومات والخطأ في المسائل الشرعية، بسبب النظرة الجزئية في الأدلة الشرعية لدى بعض الفقهاء. والشيخ - على خلاف ما يشاع عنه - مذهبه التسهيل والتيسير ما لم يكن مانع شرعي في حدود ما يدركه على ضوء الأدلة الشرعية، ولا يتجه إلى هذا الجانب عند وجود دليل منع في المسألة. والشيخ ديدنه عدم التعصب لمذهب معين، والدعوة إلى الفقه في الدين ونبذ الجمود، فلا يتبع غيره بغير دليل من القرآن والسنة النبوية وما صح عن الصحابة وآثار السلف. وقد كان عصره يموج بالتعصب لدى بعض متبعي المذاهب، فحدث الركود الفكري في تلك الفترة. وقد نشأ ابن تيمية حنبلي المذهب، واستقى عن أبيه وجده الفقه وأصوله، واستفاد كثيرا من أصول أحمد بن حنبل وفقهه، ولكنه لم يلتزم في آرائه وفتاويه بما جاء عند أحمد إلا عن اقتناع وموافقة الدليل، فيعتبره البعض مجتهدا، ويعتبره آخرون أنه مجتهد منتسب إلى مذهب الحنابلة لا يفتي إلا بما قام عليه الدليل، وإن خالف مذهب الحنابلة أو بقية فقهاء المذاهب الأخرى. والحق أن ابن تيمية مجتهد مطلق، له انتساب وعناية بمذهب الحنابلة. وكان يعتبر أن مذهب أحمد بن حنبل أمثل المذاهب الإسلامية وأقربها إلى السنة، فيقول: (أحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصاً كما يوجد لغيره، وبدون في مذهبه قول ضعيف إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها يكون قوله فيها راجحا).ويذكر الحافظ ابن رجب أنه تتبع فتاوى الصحابة والتابعين فصار عليما بها، وعُني بدراسة فقه المذاهب الأخرى ووقف على آراء فقهائها واختلافهم. ومن أجل هذا كان يذهب في أحكامه إلى ما يقوم به الدليل دون الالتفات إلى أي مذهب، ويقول الذهبي في ذلك: (وفاق الناس في معرفة الفقه، واختلاف المذاهب، وفتاوى الصحابة والتابعين، بحيث إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقول دليله عنده). والإمام علم من أعلام أهل السنة، حرر معتقدهم وجلى عقيدة السلف ورد على جميع أهل البدع في عصره، وكل ذلك نجده في مجموع فتاويه.