يُصنَّف الكتاب على أنه كتاب فقه على المذهب الحنفي شرح فيه مؤلفه البابرتي كتاب الهداية للإمام المَرْغِيناني، وسماه: العناية شرح الهداية. وتأتي أهمية الشرح أولا من أهمية أصله المشروح -أي كتاب الهداية للمرغيناني- إذ كان من أهم المدونات التي وضعت في الفقه الحنفي حيث يحتوي على أقوال أئمة المذهب من الأصحاب والأتباع. وكتاب الهداية ذاته هو شرح لكتاب بداية المبتدي للمصنف نفسه، وقد جمع فيه مسائل القدوري والجامع الصغير لمحمد بن الحسن، فشرحهما في نحو ثمانين مجلدة وسماه كفاية المنتهي. ولما تبين فيه الإطناب وخشي أن يُهجر لأجله الكتاب شرحه شرحا مختصرا لطيفا وافيا في الحسن والتقدير والضبط والإتقان والتحرير وسماه الهداية. ثم إن هذا الشرح القيم على الهداية للبابرتي من أهم الشروح عليه حيث جمع فيه مؤلفه بين عيون الرواية ومتون الدراية. وقد اختصره من كتاب النهاية شرح الهداية لشيخه السِّغْنَاقِيّ. ت (710 هـ). وقد دفع البابرتي إلى تصنيف هذا الشرح اشتماله على أصول المذهب الحنفي مع جمعه بين الرواية والدراية وبعده عن طرفي الإيجاز والإطناب، ورغم ذلك فإنه لم يأخذ حقه في عصره من الانتشار والترويج. ويهدف الشارح من كتابه أن يذكر فيه الدليل ورتبه ترتيبا فقهيا بالكتب والفصول. ويذكر فيه آراء علماء مذهبه مع بيان الراجح منها، كما يذكر آراء علماء المذاهب الأخرى، ويتعرض لشرح بعض الألفاظ شرحا لغويا لبيان المعنى المراد. ويظهر أسلوب البابرتي في كونه يترك الزوائد في كل باب ويعرض عن الإسهاب، فجاء به منقحا ومهذبا. وهذا دفعه إلى استخدام منهج وصفي يشرح به متن الهداية موضحا ما غمض منه، ومعللا ما جاء به من آراء إن كان موافقا لها أو ناقدا إياها لو كان معارضا لها مع النقل والاستشهاد. ويتألف شرح البابرتي على الهداية من ستة أجزاء؛ الأول في الطهارات والصلاة والزكاة والصوم، والثاني في الحج والنكاح والرضاع والطلاق والعتق، والثالث في التدبير والاستيلاد والأيمان والحدود والسرقة والسير واللقطة والآباق والمفقود والشركة والوقف والبيوع، والرابع في الصرف والكفالة والحوالة وأدب القاضي والشهادات والرجوع عن الشهادة والوكالة والدعوى، والخامس في الإقرار والصلح والمضاربة والوديعة والعارية والهبة والإجارات والمكاتب والولاء والإكراه والحجر والمأذون والغصب والشفعة، والسادس في القسمة والمزارعة والمساقاة والذبائح والأضحية والكراهية وإحياء الموات والأشربة والرهن والجنايات والمعاقل والوصايا والخنثى. وقد اعتنى العلماء بشرح الهداية كبير اعتناء، ولكن الذي اجترأ على شرحه قليلون ومنهم البدر العيني في كتابه "البناية شرح الهداية". وكتاب البابرتي واف شامل لجميع المسائل، إلا أنه يحتاج إلى مزيد اعتناء بالإخراج والفهرسة إضافة إلى صعوبة اللغة المستخدمة في الشرح كون الكتاب مؤلَّف في القرن الثامن الهجري.