هو كتاب جامع يتناول المسائل المجمع عليها في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب، وغيرها. فصار بذلك من أوسع المراجع في بابه، وأجمع المؤلفات في فنه، حتى عُدَّ معجما لمسائل الإجماع في الفقه الإسلامي. ويهدف المصنف إلى جمع ما اتفق عليه أهل العلم وأجمعوا على القول به بعيدا عن التعصب لفرقة دون أخرى أو الجمود عند رأي أو التقليد لطائفة. وتأتي أهمية الكتاب من كونه موسوعة جمع فيها المصنف ما يربو على أربعة آلاف مسألة، ولو فُصِّلت هذه المسائل ونُسبت إليها فروعها لزادت على عشرة آلاف. وقد جمع المؤلف هذه المسائل من أربعة وعشرين كتابا أو أكثر؛ ومن ثم كان كتابا وسيطا غير أصيل في نقل الإجماع. والكتاب شاهد واضح على عصر المصنف وازدهار الحركة العلمية وشيوع روح النهم العلمي في دولة الموحدين. كما أنه حفظ أقوالا لعلماء ليس من المتوقع العثور على تراثهم لاندثار كتبهم خلال المحن المختلفة. ثم إن مصنف الكتاب هو الفاسي الذي قال عنه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في شرح بديعة الزمان: "هو حافظ علامة متقن ثقة مأمون"، وقال الحافظ العراقي في طرح التثريب: "أحد الحفاظ الأعلام". أما عن أسلوب الكتاب فإن المصنف يصرح قبل كل مسألة بذكر مصدرها، ولا يزال بعض هذه المصادر مفقودا إلى اليوم. ثم إنه استعار ألفاظ الإجماع من أصحاب الكتب التي نقل عنها. وقد رتبه على منهج الفقهاء في تصنيفهم للمسائل الفقهية، ولكن دون التزام بترتيب أصحاب المصادر التي اعتمد عليها. وفصَّل العناوين بدقة ليُسَهِّل على قارئه البحث والنظر. وقد وقف المصنف عند حدود الجمع والتنسيق، دونما نقد أو تحقيق أو تخريج. وتتنوع موارد الكتاب بين مصادر مختلفة المذهب؛ فنجده مثلا يستخدم من كتب المالكية: "الموطأ" للإمام مالك، و"الاستذكار" و"التمهيد" لابن عبد البر، ومن كتب الشافعية: "الرسالة" و"اختلاف الحديث" للشافعي، ومن كتب الحنفية "شرح معاني الآثار" للطحاوي، ومن كتب الظاهرية: "المحلى" و"مراتب الإجماع" و"إحكام الأحكام" لابن حزم. ولقد ظل هذا السفر النفيس حبيس خزائن المخطوطات، حتى يسر الله تعالى له من أخرجه لطلبة العلم، محققا منسقا في أبهى حلة. وغير خاف أن الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع في الفقه الإسلامي، فإجماع الأمة على مسألة شرعية هو جزم بصحتها، إذ قد تقرر أن هذه الأمة لا تجتمع على الخطأ بعصمة الله لدينه الخاتم من أي تحريف أو تزييف، ونظرا لما يتعرض له الإجماع في عصرنا من تطاول ومحاولات بائسة لتسلق أسواره وثلم جدرانه مسايرة للأهواء أو تألفا للدهماء أو مراعاة لمصالح متوهمة لا اعتبار لها مع الثوابت ولا قبل لها بمناطحة جبال الشريعة وأسوارها المنيعة، لذلك ولغيره فإن إعادة نشر هذا السفر النفيس هو من أسباب حفظ الشريعة والذب عن أصولها وثوابتها وموروث أئمتها العظام.