هذا الكتاب يعتبر عمدة الباحثين والكاتبين في هذا الفن؛ لأنه قد جمع ما سبقه من الكتب المؤلفة في علوم القرآن على الرغم من أنه قد صنفه في مبدأ حياته العلمية. وقد ذكر فيه المؤلف ثمانين نوعًا من أنواع علوم القرآن على سبيل الإدماج والإجمال، ثم قال بعد سردها نوعًا نوعًا: «فهذه ثمانون نوعا على سبيل الإدماج، ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاثمائة. وغالب هذه الأنواع فيها تصانيف مفردة وقفت على كثير منها». ثم سرد السيوطي ما رجع إليه من مصادر من كتب التفسير وفضائل القرآن وجوامع الحديث وكتب القراءات وكتب اللغة وكتب الأحكام وتعلقاتها وكتب الإعجاز وفنون البلاغة إضافة إلى الكتب الجامعة. وقد اتسم منهج السيوطي بظاهرة التلخيص والاختصار في معظم مباحثه، ويؤكد هذه الظاهرة حبه لاستيعاب الأقوال في تأليفه، ولكونه جعل الإتقان مقدمة لتفسيره الكبير (مجمع البحرين ومطلع البدرين، الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية) فلم يتأنق في تحبيره كما فعل في غيره من الكتب. ومن منهجه أنه يضيف إلى الإتقان ما ظهر له لاحقا أو توصل إليه من معلومات لم يكن أضافها سابقا. ومن منهجه مراعاة التناسب في ارتباط بعض الأنواع ببعض. يقول المصنف في مقدمة كتابه: "فوضعت هذا الكتاب العلي الشأن الجلي البرهان الكثير الفوائد والإتقان ورتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب (البرهان)، وأدمجت بعض الأنواع في بعض، وفصلت ما حقه أن يبان، وزدته على ما فيه من الفوائد والفرائد والقواعد والشوارد ما يشنف الآذان، وسميته بالإتقان في علوم القرآن". وليس هنا موطن التفصيل في أنواع علوم القرآن المذكورة في الكتاب، ولكن بحسب الإضافات التي أضافها السيوطي ومنها: (الأرضي والسمائي، ما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة، ما أنزل منه على بعض الأنبياء، وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي. وإضافات السيوطي الجديدة إلى ما في البرهان: وهي الصيفي والشتائي، والفراشي والنومي، وما نزل مفرقا وما نزل جمعا، ومعرفة العالي والنازل من أسانيده، وعرفة المشهور والآحاد والموضوع والمدرج، وفي الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب، وفيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى. وقد عُرف عن السيوطي ولعه بجمع الأقوال ومنها ما يبدي فيه رأيه كقضية الموحى به إلى الرسول، والمعرّب. ومن خصائص كتاب الإتقان إجادته في بعض أنواع علوم القرآن؛ كعامه وخاصه، وطبقات المفسرين، واهتمامه بالمسائل المهمة، والإعراض في الغالب عن الأمور التي لا يُرى طائل تحتها، وانتقاده لبعض الأقوال التي حكاها في كتابه, بسبب ضعف القول أو لأنه لا مستند له أو لقصور في القول. وصدَّر المصنف كثيرا من المباحث بأهم المصنفات في النوع المندرج تحته. ولقد يسّر السيوطي بما جمعه سبل البحث والدراسة، كونه جمع مادة علمية يصعب على الكثير الاطلاع عليها في مظانها. ويعد الإتقان من أمهات الكتب المعتمد عليها في الدراسات القرآنية. وبهذا فقد استطاع السيوطي في كثير من أنواع علوم القرآن تلخيص كلام أهل العلم بعبارة سهلة واضحة.