هو الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري السيوطي، المشهور بجلال الدين السيوطي، إمام حافظ، ومفسر، ومؤرخ، وأديب، وفقيه شافعي، وله نحو 600 مصنف. نشأ في القاهرة يتيما؛ إذ مات والده وعمره ست سنوات، وكان يلقب بـ "ابن الكتب"، لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب، ففاجأها المخاض، فولدته وهي بين الكتب. وينتمي جلال الدين السيوطي إلى أسرة تعود جذورها إلى الشيخ "همام الدين الخضيري" وهو من أهل الحقيقة والتصوف، بينما ذكر السيوطي أنه أنصاري جعفري الأرومة، وأن جده من أم شريفة النسب.ولد مساء يوم الأحد غرة شهر رجب من سنة 849هـ، الموافق سبتمبر من عام 1445م، في القاهرة، وكان أبوه عبد الرحمن محمد الخضيري من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه، وقد توفي والده وعمره ست سنوات، فنشأ الطفل يتيما، واتجه إلى حفظ القرآن، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل: العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه. وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم الكمال ابن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرا كبيرا، وكان السيوطي ممن سافر في رحلات علمية ليلتقي بكبار العلماء، فسافر إلى عدد من الأقاليم في مصر كالفيوم ودمياط والمحلة وغيرها، وسافر إلى بلاد الشام، واليمن، والهند، والمغرب، وتشاد، ورحل إلى الحجاز وجاور بها سنة كاملة.ولما اكتملت أدوات السيوطي جلس للإفتاء عام 871 هـ/1466م، وأملى الحديث في العام التالي، وكان واسع العلم، غزير المعرفة، يقول عن نفسه: (رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع)، بالإضافة إلى أصول الفقه والجدل، والقراءات التي تعلمها بنفسه، والطب، فقد عُيّن في أول الأمر مدرسا للفقه بالشيخونية، وهي المدرسة التي كان يلقي فيها أبوه دروسه من قبل، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، ثم تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية، التي كانت تمتلئ برجال الصوفية، وقد نشب خلاف بين السيوطي والمتصوفة، وكاد هؤلاء المتصوفة أن يقتلوه، حينئذ قرر أن يترك الخانقاه البيبرسية، ويعتزل الناس ومجتمعاتهم ويتفرغ للتأليف والعبادة. قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كان ميدانها الحملات الشرسة في النقد اللاذع في الترجمة المتبادلة، لم يقف السيوطي مكتوف الأيدي في هذه الحملات، بل دافع عن نفسه بحماسة بالغة، وكان من عادته أن يدعم موقفه وقراره بوثيقة ذات طابع أدبي، فألف رسالة في الرد على السخاوي، اسمها "مقامة الكاوي في الرد على السخاوي" نسب إليه فيها تزوير التاريخ، وأكل لحوم العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام. وكان لهذه العلاقة المضطربة بينه وبين بعض علماء عصره، وما تعرض له من اعتداء في الخانقاه البيبرسية أثر في اعتزال الإفتاء والتدريس والحياة العامة، ولزوم بيته في روضة المقياس على النيل، وهو في الأربعين من عمره، وألف بمناسبة اعتزاله رسالة أسماها "المقامة اللؤلؤية"، ورسالة "التنفيس في الاعتذار عن ترك الإفتاء والتدريس".تنبه بعض خصوم السيوطي إلى خطئهم فيما صوبوه إلى هذا العالم الجليل من سهام في النقد والتجريح وخصومات ظالمة، فأعلنوا عن خطئهم، وفي مقدمتهم الشيخ القسطلاني الذي أراد أن يسترضي هذا العالم الجليل الذي لزم بيته وعزف عن لقاء الناس، فتوجه إليه حافيا معتذرا، غير أن هذا الأمر لم يجعل السيوطي يقطع عزلته ويعود إلى الناس، ولكنه استمر في تفرغه للعبادة والتأليف. وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها، وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن توفي.وكان السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس اللغة العربية، وألف في تلك السنة أول كتبه "شرح الاستعاذة والبسملة" وهو في سن السابعة عشرة، ومن شيوخه: علم الدين البلقيني وكان عمدة شيوخه، محيي الدين الكافيجي"الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة وأخذ منه أغلب علمه، شرف الدين المناوي أخذ عنه القرآن والفقه، تقي الدين الشبلي وأخذ عنه الحديث أربع سنين فلما مات لزم الكافيجي أربعة عشر عاما وأخذ عنه التفسير والأصول والعربية والمعاني، ومنهم أيضا الأقصرائي، والعز الحنبلي، والمرزباني، وجلال الدين المحلي، وتقي الدين الشمني، وغيرهم الكثير، حيث أخذ علم الحديث فقط عن (150) شيخًا من النابهين في هذا العلم.وتلاميذ السيوطي كثر، ومن أبرزهم: شمس الدين الداودي، وشمس الدين بن طولون، وشمس الدين الشامي محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير ابن إياس صاحب كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، وزين الدين الشماع.ألف جلال الدين السيوطي عددا كبيرا من الكتب والرسائل، إذ يذكر ابن إياس في "تاريخ مصر" أن مصنفات السيوطي بلغت ست مئة مصنف، وقد ألف في طيف واسع من المواضيع تشمل التفسير والفقه والحديث والأصول والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والأدب وغيرها. ومن هذه المصنفات: الإتقان في علوم القرآن، مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجة (شرح سنن ابن ماجه)، رسائل الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في نجاة والدي النبي، إسعاف المبطأ برجال الموطأ، الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء، الأشباه والنظائر، الجامع الصغير من حديث البشير النذير، الجامع الكبير، الفارق بين المصنف والسارق، الحاوي للفتاوى، إحياء الميت بفضائل اهل البيت، الحبائك في أخبار الملائك، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة، الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، الروض الأنيق في فضل الصديق، العرف الوردي في أخبار المهدي، الغرر في فضائل عمر، ألفية السيوطي، الكاوي على تاريخ السخاوي (ألفه بسبب خصومته مع السخاوي)، اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، المَدْرَج إلى المُدْرَج، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، أسباب ورود الحديث، أسرار ترتيب القرآن، أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب، إرشاد المهتدين إلى نصرة المجتهدين، إعراب القرآن، وغيرها الكثير من المصنفات.توفي الإمام السيوطي في منزله بروضة المقياس على النيل في القاهرة في 19 جمادى الأولى سنة 911هـ، الموافق 20 أكتوبر 1505م، ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال نسبة إليه، وقبره معروف هناك، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.