هذا الكتاب القيم والتفسير الجليل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لم يؤلفه استقلالا، فشيخ الإسلام رحمه الله لم يؤلف مصنفا مستقلا في علم التفسير، إذ إنه لم يكن يرى ذلك، فهو يعتبر أن القرآن منه ما هو بين بذاته فهذا لا يحتاج إلى تفسير، ومنه ما يحتاج إلى تفسير وزيادة بيان وهذا قد بينه أهل العلم ووضحوه، ومنه ما هو مشكل قد أشكل على العلماء من قبل، وهذا الذي تصدى له شيخ الإسلام وفسره وبينه وأوضح مشكله، إلا أن القارئ لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية يجد فيها الكثير من المواضع التي فسَّر فيها شيخ الإسلام بعض الآيات والسور؛ فقام الشيخ إياد عبد اللطيف القيسي المحقق المعروف بتتبع هذه المواضع واستقرائها من كتب الشيخ المطبوعة وجزء من كتبه المخطوطة، فجمعها وحققها وأخرجها للنور في هذا الكتاب الجليل، فجمع كل ما يتعلق بالتفسير سواء كان تفسيرا مقصودا أصالة، كتفسير الشيخ لبعض الآيات والسور خاصة، أو كان هذا التفسير تبعا، كالتفسير الذي يذكره الشيخ استطرادا في بعض المسائل، أو ما يكون من قبيل الإجابة عن سؤال عن معنى آية من آيات الكتاب العزيز، أو ما يكون من قبيل المناقشة لمن استدل ببعض الآيات على معنى باطل فيفسرها ليظهر الحق فيها ويبطل الباطل، وغير ذلك. وجمع إياد القيسي تفاسير شيخ الإسلام في سبعة أجزاء، من تفسير سورة الفاتحة إلى سورة الناس، واعتنى جيدا بخدمة النص بتوثيق النقولات، وتخريج الأحاديث، وترجمة الأعلام، وعزو الشعر، والتعليق على بعض المواضع اليسيرة. كما اعتنى الناشر بطباعة الكتاب اعتناء جيدا من حيث جودة الإخراج، وحسن الصف، وجمال الديباجة، فكان إخراجه متميزا. ويتميز تفسير ابن تيمية رحمه الله عن غيره من التفاسير بالتزامه بما رسمه في مقدمته في أصول التفسير، أن أمثل طريقة للتفسير هي تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالحديث، ثم بما جاء عن الصحابة، ثم بأقوال التابعين ثم بالرجوع إلى لغة القرآن التي نزل بها، ومما يميزه أيضا أنه لا يجعل القارئ محتارا بين الأقوال المتخالفة بل يقوم بالترجيح بين الأقوال المأثورة عن أهل التفسير، كما يتميز أيضا باحترامه لأقوال أئمة السلف في التفسير، وترجيحه بعض التفاسير على بعض. وقد سبق هذا الكتاب محاولات عديدة في جمع تفاسير شيخ الإسلام وتنظيمها، إلا أنه يشوبها بعض النقص، ومن ذلك (تفسيرات شيخ الإسلام ابن تيمية) لإقبال أحمد الأعظمي، وكتاب التفسير ضمن مجموعة الفتاوى التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، و(دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية) للدكتور محمد السيد الجليند، و(التفسير الكبير للإمام العلامة تقي الدين ابن تيمية) للدكتور عبد الرحمن عميرة، وغيرها. وكلها لم يستوعب جميع ما فسر شيخ الإسلام، وهذا ما جعل الكتاب الذي بين أيدينا يتميز عما سبقه من الكتب، فهو أوعب ما جُمع في تفسير شيخ الإسلام، فقد شمل تفسيره في جميع كتبه المطبوعة مع بعض المخطوطات، بالإضافة إلى كتب تلاميذه كابن القيم وابن كثير وغيرهما، ولم يفته من تفسيره إلا القليل أو النادر.