يمثل كتاب "الكافي" الحلقة الثالثة أو المستوى الثالث من سلسلة كتب ألفها الإمام الموفق ابن قدامة المقدسي يهدف منها إلى الأخذ بيد طالب الفقه من مستوى المبتدئين إلى مسالك المجتهدين؛ حيث وضع أربعة مؤلفات يلبي كل واحد منها حاجة مستوى معين من الطلاب والمتفقهين، وهي على الترتيب المنهجي: العمدة، المقنع، الكافي، المغني. والإمام الموفق ابن قدامة يعد أحد أبرز محققي المذهب وأكثر من خدم مذهب الإمام أحمد - في طبقته - تصنيفاً وتحقيقاً، حتى عدَّه البعض "ابن حنبل الثاني"، وكان معاصرا لفتح بيت المقدس، ووصفه البهاء المقدسي بالشجاعة فقال: (كان يتقدم للعدو، وجُرح في كفه، وكان يرامي العدو). وقد أبان الموفق ابن قدامة عن غايته ومنهجه وسبب تأليفه بقوله: (هذا كتاب استخرت الله تعالى في تأليفه على مذهب إمام الأئمة، ورباني الأمة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني في الفقه، توسطت فيه بين الإطالة والاختصار، وأومأت إلى أدلة مسائله مع الاقتصار، وعزيت أحاديثه إلى كتب أئمة الأمصار؛ ليكون الكتاب "كافيا" في فنه عما سواه، مقنعا لقارئه بما حواه، وافيا بالغرض من غير تطويل، جامعا بين بيان الحكم والدليل)، ويوضح ابن بدران مرتبته بقوله: (وذلك أن موفق الدين راعى في مؤلفاته أربع طبقات فصنف العمدة للمبتدئين ثم ألف المقنع لمن ارتقى عن درجتهم ولم يصل إلى درجة المتوسطين ... ثم صنف للمتوسطين الكافي، وذكر فيه كثيرا من الأدلة لتسمو نفس قارئه إلى درجة الاجتهاد في المذهب حينما يرى الأدلة وترتفع نفسه إلى مناقشتها ولم يجعلها قضية مسلمة، ثم ألف المغني لمن ارتقى درجة عن المتوسطين)، ولكن عده بكر أبو زيد لمن هو فوق المتوسطين فقال: (ألفه لمن فوق المتوسطين من الطلبة؛ ولهذا لما بناه مؤلفه - رحمه الله تعالى - على رواية واحدة، ذكر في مواضع تعدد الرواية، وذكر كثيرا من الأدلة؛ ليسمو بالطلبة إلى الاجتهاد في المذهب، بل إلى ما قام عليه الدليل من المذهب). وقد جاء الكتاب مشتملا على الفروع الفقهية مقسمة إلى كتب وأبواب وفصول، مبتدئا بأبواب العبادات المشتملة على أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج، ثم المعاملات المفتتحة بالبيوع ويليها أبواب المعاملات المختلفة كالإجارة والوكالة والشركة، ثم تناول أحكام الوصايا والفرائض والعتق، ثم تناول أحكام الأسرة مبتدئا بالنكاح ثم بصور الفراق المختلفة وما يتبعها من أحكام، ثم تناول أحكام الجنايات والحدود والجهاد والأيمان والأقضية والشهادات، ومختتما بالإقرار، ولترتيب ابن قدامة للأبواب الفقهية أهمية خاصة، وهو ما يوضحه بكر أبو زيد بقوله: (ولما جاء "ابن حنبل الثاني" الموفق ابن قدامة "ت. 620 هـ"، وألف المتون الثلاثة: "العمدة" و"المقنع"، و"الكافي" صار الماتنون تبعا له في الترتيب من طبقته المتوسطين، ثم طبقة المتأخرين إلى الآخر واستقر أمر الناس على ذلك)، كما أوضح مزيته بقوله (وقد تميز هذا المتن من بين سائر متون المذهب بسهولة اللفظ ووضوح المعنى، ولعله لهذا لم يتجه أحد من الأصحاب لشرحه، وإنما اكتفوا بنظمه، واختصاره، وتخريج أحاديثه)، ويعد كتاب الكافي أقل شهرة مقارنة بالعمدة والمقنع والمغني. وقد بذل المحقق جهدا كبيرا في الكتاب في ضبط النص وتنسيقه وتصحيحه، وختمه بأكثر من عشرة فهارس فنية شاملة جاءت في أكثر من ثلاثمائة صفحة؛ حيث اشتملت على فهارس الآيات والأحاديث والآثار والأعلام والأبواب الفقهية وغير ذلك.