هذا الكتاب القيم من تأليف العلامة الشيخ مقرئ ديار مصر والشام محمد بن محمد الدمشقي ابن الجزري، وحققه مقرئ الديار المصرية العلامة علي محمد الضباع، وبذل في جمعه وتنسيقه وترتيبه مجهودا جليلا. وقد عزم المؤلف على إعداد ذلك المؤلف لما رأى أن الهمم قد قصرت في الاهتمام بذلك العلم، وقل فيه الأئمة، وترك لذلك أكثر القراءات المشهورة، ونسي غالب الروايات الصحيحة المذكورة، حتى كاد الناس لم يثبتوا قرآنا إلا ما في الشاطبية والتيسير ولم يعلموا قراءات سوى ما فيهما من النزر اليسير، فوجد أنه من الواجب عليه التعريف بصحيح القراءات، والتوقيف على المقبول من منقول مشهور الروايات. وقال المحقق في وصف الكتاب في مقدمته: "فإن كتاب (النشر في القراءات العشر) سفر جل قدره، وفاح بين الأنام عطره، وعز على الزمان أن يأتي بمثله، وعجزت الأقلام عن حصر فضله، فهو كتاب حقيق أن تشد إليه الرحال، لما حواه من صحيح النقول وفصيح الأقوال، جمع فيه مؤلفه رحمه الله تعالى من الروايات والطرق ما لا يعتوره وهن، ولا يتطرق إليه شك ولا طعن، على تواتر محكم، وسند متصل معلم، فهو البقية المغنية في القراءات، بما حواه من محرر طرق الروايات". والكتاب يتكون من جزأين، وفي مقدمة الكتاب يذكر المؤلف أصول هذا العلم ونشأته ومصادره التي التزم بها وغير ذلك، والكتاب يضم من علوم الأداء الجارية في فقه اللغة العربية مجرى الأساس من البناء، فمن علم مخارج الحروف وصفاتها، إلى علم الوقوف وأحكامها، ثم اختلاف القراء في قراءة سورة الفاتحة، إلى بحوث في الإدغامين، وفصل في ذكر المتقاربين، وهاء الكناية، والمد والقصر، والهمزات واليائين، وباب في إحكام النون الساكنة والتنوين، والفتح والإمالة والرسم، وفني الابتداء والختم، والوقف على الراء، والوقف على المرسوم، وهكذا في أحكام الوقف كله بأنواعه، ثم باب في بيان إفراد القراءات وجمعها، وباب فرش الحروف، وباب التكبير وما يتعلق به، إلى غير ذلك من معان عظيمة في القراءات واختلافها وأصولها، والكثير من الأصول والفروع التي تخص القراءات العشر. وعمد المؤلف في منهجيته إلى إثبات ما وصل إليه من قراءاتهم، ويوثق ما صح لديه من رواياتهم، من الأئمة العشرة قراء الأمصار، والمقتدى بهم في سالف الأعصار، واقتصر عن كل إمام براويين، وعن كل راوٍ بطريقين وعن كل طريق بطريقين: مغربية ومشرقية، مصرية وعراقية، مع ما يتصل إليهم من الطرق، ويتشعب عنهم من الفرق. فمثلا نافع من روايتي قالون وورش عنه. وابن كثير من روايتي البزي وقنبل عن أصحابهما عنه. وأبو عمرو من روايتي الدوري والسوسي عن اليزيدي عنه. وابن عامر من روايتي هشام. وابن ذكوان عن أصحابهما عنه. وعاصم من روايتي أبي بكر شعبة وحفص عنه، وهكذا في سائر القراءات. كما كان للمحقق دور كبير في اخراج وتصحيح هذا العمل الجليل من تبويب وتقسيم المصنف، وتخريج الآيات والأحاديث الواردة، وكان قد قرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره على الأستاذ الجليل الشيخ عبد الرحمن ابن حسين الخطيب الشعار سنة 1338 هـ. وأخبره أنه قرأه على خاتمة المحققين شمس الملة والدين محمد بن أحمد المتولي شيخ قراء ومقارئ مصر الأسبق. وهو على شيخه المحقق العمدة المدقق السيد أحمد الدري الشهير بالتهامى. وهو على شيخ قراء وقته العالم العامل الشيخ أحمد سلمونة. وهو على شيخه السيد إبراهيم العبيدي كبير المقرئين في وقته. وهو على سبط القطب الخضيري الشيخ عبد الرحمن الأجهوري. وهو على العلامة أبي السماح البقري. وهو على شمس الدين محمد ابن قاسم البقري. وهو على الشيخ عبد الرحمن اليمني. وهو على والده الشيخ شحاذة الييمني. وهو على شيخ أهل زمنه ناصر الدين الطبلاوي. وهو على شيخ الإسلام والمسلمين أبي يحيى زكريا الأنصاري. وهو على شيخ شيوخ وقته أبي النعيم رضوان العقبي. وهو على المؤلف. وبهذا يكتمل الإسناد الذي وصل به المحقق إلى المؤلف رحمه الله.