يصنف هذا الكتاب ضمن مصنفات أصول الفقه على المذهبين الحنفي والشافعي. وهو في حقيقته شرح على كتاب "التحرير في أصول الفقه الجامع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية" لابن همام الحنفي (٨٦١ه). وهو الكتاب الذي حرر من مقاصد هذا العلم ما لم يحرره كثير، وجمع بين اصطلاحي الحنفية والشافعية على أحسن نظام وترتيب. وتبرز أهمية الشرح أولا من أهمية أصله؛ فكتاب التحرير من أهم المؤلفات التي جمعت بين طريقتي الفقهاء والمتكلمين في التأليف في أصول الفقه. ثم إن شرح ابن أمير الحاج (ت٨٧٩ه) يعد أفضل الشروح كون مؤلفه أدرى بأسلوب شيخه وبعباراته لاسيما أنه قد قرأ عليه المتن أكثر من مرة. وعندما شرع في شرحه أول مرة سافر إلى شيخه وعرضه عليه وأخذ منه ما أمكن من الفوائد الشاردات، وأثبت فيه ما استقر عليه الحال من التغييرات والزيادات. ومما دفع إلى تصنيف هذا الشرح أن ابن الهمام بالغ في الإيجاز في كتابة التحرير حتى كاد يعد من الألغاز! فاحتاج بذلك إلى "شرح يقرر تحقيقاته، وينبه على تدقيقاته، ويحل مشكلاته، ويزيح إبهاماته، ويظهر ضمائره، ويبدي سرائره" كما يقول الشارح. فطلب منه بعض فضلاء عصره أن يشرح الكتاب، ولكنه عزف عن ذلك نظرا لموت ابن الهمام رحمه الله، ولكنهم كرروا الطلب وفي ذلك يقول الشارح: "بل أكدوا العزيمة على إبرام العزم نحو تحقيق مطالبه، وكرروا الإلحاح على إعمال الرَّجِل والخيل في الكر على الظَّفَر بغنيمة مآربه". ويهدف ابن أمير الحاج من شرحه إلى توضيح الاصطلاحين -أي اصطلاح الجمهور واصطلاح الحنفية- حق الإيضاح، بحيث من أتقنهما تحصل له ملكة يقتدر بها على استحضار كل من المصطلحات عند الحاجة بأدنى توجيه، وهو ما لم يتيسر لمن قاموا بشرح التحرير من قبله. ومن ثم فإنه يسلك المنهج الوصفي في كتابه ولا يعدم الاستعانة بالمنهج الاستقرائي فيما يجمعه من المراجع ذات الصلة. وعن أسلوبه في الشرح، فإنه جعل شرحه متوسطا بين الاختصار والإطالة فقال في مقدمته: "استخرت الله تعالى ثانيا في شرح هذا الكتاب لكن لا على السنن الأول من الإطناب بل على سبيل الاقتصاد بين الاختصار والإسهاب". وقد جعل ابن أمير الحاج شرحه ممزوجا مع نص صاحب المتن، وذلك لصعوبة عبارة المتن وشدة إيجازه. كما أنه اهتم بتعريف المصطلحات اهتماما بالغا. وقد التزم الشرح بمنهج علمي سواء في المناقشات مع الآراء المختلفة وقد يكون منها رأي شيخه، أو في توثيقه للنصوص الشرعية وأقوال العلماء. كما أنه يذكر الآراء في المسائل الأصولية وأدلتها مع الترجيح وبيان أسباب الترجيح غالبا. أما عن محتوى الكتاب فقد جاء شاملا لموضوعات أصول الفقه ومباحثه كلها تقريبا. ولقد سار ابن أمير الحاج على نفس ترتيب الأصل وهو التحرير؛ وذلك من حيث البدء بخطبة الكتاب ثم مقدمة ثم المقالات الثلاثة؛ المقال الأول في المبادئ اللغوية، والمقال الثاني في أحوال الموضوع والمقال الثالث في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء. وقد استعان الشارح بمراجع كثيرة في كتابه؛ منها: "الأم" و"الرسالة" للشافعي، و"شرح التلويح" في أصول الفقه للتفتازاني، و"العدة في أصول الفقه" لابن الصباغ، و"قواطع الأدلة في أصول الفقه" لابن السمعاني، و"المحصول" للرازي، و"الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي، و"الفصول في الأصول" للجصاص، وغيرها من كتب السنة من الصحاح والسنن والمسانيد والمستدركات وشروحها، وكذا قواميس اللغة وكتب البلاغة والأعلام. ويمتاز الكتاب بعنايته الفائقة بتخريج الأحاديث والحكم عليها وبيان حال الأسانيد أحيانا وذكر روايات الأحاديث الأخرى عند الحاجة، حتى عده الكتاني في كتابه "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة" من الكتب المعتنية بتخريج الأحاديث. وعلى الكتاب بعض الاستدراكات على رأسها أن ابن الهمام ماتريدي العقيدة، وقد قرر عقيدته في مواضع من كتابه ولم يستدرك عليها الشارح، كما أنه يستدل بالأحاديث الضعيفة، ويدعي الإجماع في بعض المسائل التي هي في الحقيقة بخلاف ذلك.