هذا الكتاب هو الأول من سلسلة "دراسات جمالية إسلامية" لعالم الحديث السوري والمدرس بالمعاهد التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ويليه الجزء الثاني "ميادين الجمال في الظاهرة الجمالية في الإسلام" ثم الثالث "التربية الجمالية في الإسلام". وقد افتتح الكاتب السلسلة بالرد على ما قد يتوقع من تعجب القارئ من البحث في هذا الميدان، فيذكرنا ابتداء بأن الدروس العملية الأولى التي تلقاها الجيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت دروسا وثيقة الصلة بالجمال، فقد تعلموا كيف يكون الصبر جميلا وكذلك الهجر الجميل والصفح الجميل. ثم يبين قصة توجهه لهذا الموضوع حين كان يتلو القرآن الكريم محاولا الوقوف على الخطوط العريضة التي يتميز بها القرآن المكي بغرض كتابة بحث قصير عن ذلك في كتاب "من معين السيرة"، فتلا إذ ذاك قول الله تعالى في سورة يوسف {فصبر جميل}، واستوقفه ذلك الوصف وبدأ يبحث في التفاسير وكتب اللغة ثم "كتب الجمال"، فلم يجد ما يشفي غليله، واستقر لديه أن للإسلام نظرة جمالية عامة، والقرآن مرجعها الوحيد، وهي ظاهرة جمالية صبغت المنهج الإسلامي بصبغتها، فهي ليست عملا تزيينيا أو وصفا إضافيا بل هي في طبيعة مادة المنهج وفي خواصها. والقرآن وحده يستقل بصياغة هذه الظاهرة وبيانها،أما السنة فلها الدور الكبير في الشق التطبيقي للظاهرة وهو ما يمكن أن يسمى "بالتربية الجمالية". ولا يصلح أن تستعار لهذه الظاهرة القوالب من هنا وهناك، علما بأن ما يسمى "علم الجمال" هو علم حديث ظهر بهذا الاصطلاح على يد الفيلسوف الألماني "جوتيب بومجارتن" في القرن الثامن عشر الميلادي. وقد تبين للكاتب من مواد البحث التي تجمعت لديه أن هناك ثلاث نقاط تتركز حولها مادة هذا الموضوع، منها ما يعتبر قواعد وأسس، ومنها ما يرجع إلى الجانب التطبيقي، ومنها ما يرجع إلى أثر المنهج في بناء النفس من الوجهة الجمالية. ويتناول الجزء الأول الذي بين أيدينا بيان القواعد والكليات العامة التي تقوم عليها النظرة الجمالية في الإسلام. وفيه يبين الكاتب بعض مظاهر هذه الظاهرة الجمالية من خلال اتباع دلائل الكتاب والسنة النبوية المطهرة، حيث كان الواقع الإسلامي في كثير من فتراته نتيجة حتمية لتطبيق مظاهر تلك الظاهرة الجمالية في منهج الله سبحانه وتعالى. وقد تناول المؤلف موضوعه في بابين و13 فصلا؛ فالباب الأول أضواء على علم الجمال، وفيه خلاصة وافية لما قام عليه علم الجمال الغربي، وجاء في ستة فصول وهي مفهوم الجمال، الجمال والعلم، الجمال والفلسفة، الجمال والأخلاق، الجمال والدين، الشكل والمضمون. أما الباب الثاني فيدور حول الظاهرة الجمالية في الإسلام، وفيه عرض ما توصل إليه الكاتب من قواعد وأركان يقوم عليها هذا العلم، ومن ضوابط تميزه، وقد ابتدأ بتمهيد اشتمل على تعريف الجمال، وحقيقة الجمال، والجمال والقيم، والجمال والمنفعة، ومكانة الجمال، وأما الفصول فهي: الجمال المقصود في أصل الخلق، أثر الجمال على النفس الإنسانية، الجمال وقضية العقيدة، العموم والشمول في هذه الظاهرة، الظاهر والباطن وتلازمهما تارة وانفراد كل منهما تارة أخرى، سمات الجمال، التصور الكلي للظاهرة الجمالية.ومن الجدير بالذكر أن الدراسة تميز بين الفن والجمال، وما من شك في أن الصلة وثيقة بين الفن والجمال، فمن غاية الفن تحقيق الجمال، ولكنه تارة يدرك هذه الغاية وتارة تفوته فيصور الظواهر القبيحة، والجمال في المقابل لا يستغني عن الفن كميدان من ميادينه الفسيحة، ولكن لا يستطيع أن يتخلى عن مجالاته الأخرى التي منها الطبيعة والإنسان.والكتاب يتميز بأسلوبه الجميل الذي يمزج بين الأدبي والعلمي، ويستند في تحليله وتقريره إلى مجموعة من المراجع العربية والأجنبية، ويعد من الكتابات الرائدة في هذا المجال.