الذخيرة
القرافي
الذخيرة
نبذة عن الكتاب

كتاب الذخيرة للعلامة القرافي المالكي مصنف من أهم المصنفات في الفقه المالكي فروعه وأصوله خلال القرن السابع الهجري، وآخر الأمهات في هذا المذهب، بدعٌ من مؤلفات عصره التي هي في الأعم اختصارات أو شروح وتعليقات.وقد اعتمد القرافي في الذخيرة على نحو أربعين من تصانيف المذهب المالكي، وخص خمسة منها كمصادر أساس يرجع إليها دائما ويقارن بينها ويناقش، وكلها كتب مستقلة مبتكرة أصيلة، وهي: مدونة سحنون القيرواني، والتفريغ لعبيد الله بن الجلاب البصري، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، والتلقين للقاضي عبد الوهاب البغدادي، والجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لعبد الله بن شاس المصري. وقد قدم المؤلف لكتابه بمقدمتين: المقدمة الأولى في فضيلة العلم وآدابه، أما المقدمة الثانية فهي فيما يتعين أن يكون على خاطر الفقيه من أصول الفقه وقواعد الشرع واصطلاحات العلماء حتى تخرج الفروع على القواعد والأصول، واعتمد في هذه المقدمة على أخذ جملة كتاب الإفادة للقاضي عبد الوهاب وجملة الإشارة للباجي وكلام ابن القصار في أول تعليقه في الخلاف وكتاب المحصول للفخر، ونقح وزاد وجعلها في عشرين بابا وسماها "تنقيح الفصول في علم الأصول" لمن أراد أن يكتبها وحدها خارجة عن كتاب الذخيرة. ثم رتب موضوعات الكتاب على الكتاب المعروفة في الفقه، من كتاب الطهارة إلى كتاب الفرائض والمواريث، وختمها بكتاب الجامع، ويختص بمذهب مالك فبدون في تصانيف غيره من المذاهب، وهو من محاسن التصنيف لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه - العبادات والمعاملات والأقضية والجنايات - فجمعها المالكية في أواخر تصانيفها وسموها بالجامع أي جامع الأشتات من المسائل التي لا تناسب غيره من الكتب، وهي ثلاثة أجناس: ما يتعلق بالعقيدة، وما يتعلق بالأقوال، وما يتعلق بالأفعال.وقد تميز المصنف بدقة التعبير وسعة الأفق وسلالة الأسلوب وجودة التقسيم والتبويب، إضافة إلى مزجه بين الفقه وأصوله واللغة وقواعدها والمنطق والفلسفة والحساب والجبر والمقابلة في المواطن التي تقتضيها، ووضعه مصطلحات دقيقة ورموزا واضحة تختصر أسماء الأشخاص والكتب التي يكثر ذكرها في كتابه.ونجد في الذخيرة داخل الأبواب والفصول والمباحث والفروع المعتادة عناوين فرعية تضبط المعلومات الإضافية وتحددها وتبرزها، أمثال: تمهيد، تحقيق، تفريع، تنقيح، تحرير، تذييل، قاعدة، فائدة، نظائر، فروع، مرتبة. ويمكن أن يعد من مميزات الذخيرة كذلك عناية المؤلف بإبراز أصول الفقه المالكي دحضا للشبهات التي علقت بالأذهان قاصرة أصول الفقه بالنسبة للمذاهب الأربعة على الإمام الشافعي واعتباره هذا الفن برسالته التي حددت منهاجه في استنباط الأحكام من القرآن، وكتب أخرى له في القياس وإبطال الاستحسان واختلاف الأحاديث.وقد جعل القرافي من شرطه في الكتاب تتبع الأصول في مختلف الأبواب: "وبينت مذهب مالك رحمه الله في أصول الفقه ليظهر علو شرفه في اختياره في الأصول كما ظهر في الفروع، ويطلع الفقيه على موافقته لأصله أو مخالفته له لمعارض أرجح منه فيطلبه حتى يطلع على مدركه ويمنع المخالفين في المناظرات على أصله".ولهذا فإن الكتاب فيه دعوة للاجتهاد ونبذ التقليد الأعمى في الأحكام الفقهية، إذ علاوة على البابين الأخيرين من المقدمة الثانية في أصول الفقه وقواعد الشرع وهما في الاجتهاد وجميع أدلة المجتهدين؛ فلا يكاد المؤلف يأتي بمسألة من مسائل فروع العبادات أو المعاملات إلا أبان أصل حكمها وحجج المختلفين فيها من الأئمة والفقهاء مبرزا أدلة المالكية بصفة خاصة بعد عبارة "لنا"، دون إغفال أدلة الآخرين، سيرا مع الخطة التي قررها في المقدمة: "وقد آثرت التنبيه على مذهب المخالفين لنا من الأئمة الثلاثة ومآخذهم في كثير من المسائل تكميلا للفائدة ومزيدا من الاطلاع، فإن الحق ليس محصورا في جهة، فيعلم الفقيه أي المذهبين أقرب للتقوى وأعلق بالسبب الأقوى". وتتكرر في الذخيرة عبارات "ليكون الفقيه على بصيرة"، "ليستدل الفقيه" تحفيزا للهمم على إعمال الفكر وإمعان النظر واستنكافا عن التقليد والجمود وأخذ المسائل أحكاما مسلمة.وقد ذكر محققو الكتاب أن جزءا منه ضاع ولم يتمكنوا من العثور عليه، يبتدئ بكتاب النكاح مشتملا على الأبواب الثلاثة الأولى منه في أقطاب العقد، وينتهي مبتورا أثناء الباب الرابع في القطب الرابع، الذي هو العقد نفسه؛ وقد ضاع منه بقية كتاب النكاح وكتاب الطلاق كله والايلاء واللعان والظهار والقسم الأول من كتاب البيوع.وختاما فإن المسائل العقدية آخر الكتاب تظهر بوضوح المذهب الأشعري للمؤلف.