أنوار البروق في أنواء الفروق
القرافي
أنوار البروق في أنواء الفروق
نبذة عن الكتاب

كتاب "أنوار البروق في أنواء الفروق" أو "الأنوار والأنواء" والمعروف ب"فروق القرافي" أشهر من أن يتم التعريف به، وعلى الرغم من سبق التصنيف في (الفروق) على كتاب القرافي إلا إنه امتاز عنها - كما أشار المؤلف - بتناول القواعد والأصول لا الفروع كما تناولها من سبقه، فكان لكتابه بالنسبة إليها شرف الأصول على الفروع؛ فقد سلك فيه مسلك التأصيل لهذا العلم بالحديث عن القواعد والمقاصد. وقد أوضح المصنف أن الباعث له على تأليف هذا الكتاب إنما هو عدم استيعاب أصول الفقه لجميع القواعد؛ الأمر الذي دفعه لوضع الضوابط الحاكمة لها. ولا شك في أن كونه مالكي المذهب ثم هو بعد تلميذ سلطان العلماء العز بن عبد السلام، أفرز قريحة اجتهادية فريدة، جعلت من هذا الكتاب أساسا منهجيا بديعا لم يسبق له، على الرغم من حشده لكثير من النقولات لا سيما عن شيخه العز، حيث إنه يستدل بها لا عليها، محللا ومعللا ومستنبطا؛ فكان كتابه بحق لبنة في بنيان تشييد فقه المقاصد الشرعية وحِكَم التشريع. ولم يقتصر كتاب الفروق على تبيان القواعد الفقهية بل تطرق لكثير من الفروق الدقيقة في المعاني والأحكام الشرعية والتي قد لا يتفطن لها بادي الرأي. كل ذلك بنظرة شمولية تحليلية تستقصي الفروع لتستنبط منها الأصول والقواعد الكلية. ولقد تضمن "الفروق" مائتين وأربعة وسبعين فَرْقا بين خمسمائة وثمان وأربعين قاعدة، حيث وضع كل فرْق بين قاعدتين، موضحا مواطن الاتفاق والاختلاف بالنظر إلى مقصد الشارع، مستدلا بالفروع المندرجة تحت كل قاعدة، حتى يستبين وجه الفرق بينهما. هذا وقد جمع في هذا الكتاب كثيرا من القواعد التي ذكرها في كتابه "الذخيرة" إلا إنه لم يفصل في فروعها تفصيله في الذخيره، وإنما اعتنى بجمع القواعد كلها، مع ذكر ما يناسب مقام الإيضاح من فروع حسب الحاجة ولم يقصد إلى استيعاب الفروع كما هو الشأن في الذخيرة. وهذه القواعد تتنوع بين قواعد أصولية لغوية، وقواعد عقدية، وأخرى فقهية؛ إلا إنه لم يعمد إلى تهذيبها وترتيبها فلا يكاد يجد القارئ لها رابطا يجمع بين موضوعاتها، أو وجها مناسبا لترتيبها على هذا النحو. وهو الأمر الذي أشار إليه أبو القاسم ابن الشاط في تعليقه على الفروق في كتابه "إدرار الشروق على أنواء الفروق" حيث ذكر: "أنه ما استكمل التصويب والتنقيب، ولا استعمل التهذيب والترتيب" ثم قال: "وضعت كتابي هذا لما اشتمل عليه من الصواب مصححا، ولما عدل به عن صوبه منقحا". وقد حظا "الفروق" باهتمام الفقهاء حتى اشتهرت فيه قولتهم: "عليك بفروق القرافي ولا تقبل منها إلا ما سلمه ابن الشاط". ومن أمثلة القواعد الأصولية واللغوية: قاعدة الأمر المطلق وقاعدة مطلق الأمر، قاعدتي توقف الحكم على سببه وتوقفه على شرطه، قاعدة أدلة مشروعية الأحكام وقاعدة أدلة وقوع الأحكام، قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وقاعدة النهي عن المشترك، قاعدة العرف القولي وبين قاعدة العرف الفعلي، قاعدة تصرفه صلى الله عليه وسلم بالقضاء وقاعدة تصرفه بالفتوى وقاعدة تصرفه بالإمامة، قاعدة الشك في السبب وقاعدة السبب في الشك، قاعدة النقل وقاعدة الإسقاط، قاعدة رفع الواقعات وقاعدة تقدير ارتفاعها، قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب، قاعدة الزواجر وقاعدة الجوابر إلى غير ذلك. ومن أمثلة القواعد العقدية: قاعدة حقوق الله وقاعدة حقوق الآدميين، قاعدة بر أهل الذمة وقاعدة التودد لهم، قاعدة الرياء في العبادات وقاعدة التشريك في العبادات، قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه، قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر، قاعدة الغيبة وقاعدة النميمة والهمز واللمز، قاعدة التوكل وقاعدة ترك الأسباب، قاعدة الطيرة وقاعدة الفأل الحلال والفأل الحرام، قاعدة ما هو من الدعاء كفر وقاعدة ما ليس بكفر. إلى غير ذلك. ومن أمثلة القواعد الفقهية: قاعدتي ما تشرع فيه البسملة وما لا تشرع فيه البسملة، قاعدة تمليك الانتفاع وقاعدة تمليك المنفعة، قاعدة الإزالة في النجاسة وقاعدة الإحالة فيها، قاعدة استقبال الجهة في الصلاة وقاعدة استقبال السمت، قاعدة العمال في القراض وقاعدة الشركاء، قاعدة استحقاق السلب في الجهاد وقاعدة الإقطاع، قاعدة تحريم سباع الوحش وقاعدة تحريم سباع الطير، قاعدة العدد وقاعدة الاستبراء، قاعدة تحريم بيع الربوي بجنسه وقاعدة عدم تحريم بيعه بجنسه، قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه، وغيرها كثير. إن الفارق الذي اعتني القرافي بإثباته هو المعنى المناسب المؤثر في الحكم الشرعي الذي أدى وجوده في موطن وغيابه في الموطن الآخر إلى اختلاف الحكم الشرعي. وتعد طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق عمر حسن القيام من أجود الطبعات لهذا الكتاب من حيث التحقيق والمقابلة على المخطوطات ومن حيث حسن الصف والترتيب والتقسيم، والعزو والإحالة إلى المصادر التي ينقل عنها المصنف، وهو أمر غاية في الأهمية، حيث كان ينقل القرافي مباحث كاملة عن شيخه العز دون الإشارة إلى ذلك. وكذلك أضاف لها تعليقات ابن الشاط حتى تتم الاستفادة القصوى من الكتاب بشكل ميسر. وعلى الرغم من كثرة مصنفات القرافي إلا إن الفروق هو أشهرها، وقد اهتم العلماء بهذا الكتاب ترتيباً، وتعقيباً، وتهذيباً واختصاراً ومن ذلك : ترتيب فروق القرافي واختصارها للشيخ محمد بن إبراهيم البقوري، وإدرار الشروق على أنوار الفروق للإمام الفقيه أبي القاسم ابن الشاط، وتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية لمحمد علي المكي. ومن تجلِّيات هذا الاهتمام أيضا حرص العلماء على النقل عنه واعتماده في تآليفهم، ومن هؤلاء: ابن جزي في القوانين الفقهية، وابن فَرْحون في تبصرة الحكام، والوَنْشَريسي في المعيار، والشوكاني في البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر وغيرهم كثير.