هذا الكتاب النفيس ليس من وضع ابن القيم نفسه ولا هو من جمعه بهذا النسق، وهو أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي ثم الدمشقي الشهير بابن قيم الجوزية، وليس لابن القيم تفسير للقرآن مستقل وإن تمنى في بعض كتبه أن يكون له تفسير للقرآن. بل جمعه ووثق نصوصه وخرج أحاديثه يسري السيد محمد، وقد جمعه سابقا باسم تفسير القيم لمحمد أويس الندوي، ولكن كان مختصرا ولم يستوعب كثيرا من آيات القرآن الكريم، وكذلك جمعه علي الحمد الصالحي من كتب ابن القيم باسم: الضوء المنير على التفسير في ستة مجلدات من أكثر من 26 مجلدا من كتبه ونشر مؤسسة النور للطباعة والتجليد مع مكتبة دار السلام بالرياض. فهو تفسير غير شامل لجميع الآيات والسور، قد جمع فيه ١٠٩ سورة، ولم يذكر سورة القدر والقارعة والفيل وقريش والكوثر، كما لم يضع مقدمة للتفسير كما صنع ابن تيمية في "مقدمة في أصول التفسير" حتى يستطيع الباحث معرفة نقاط أساسية في بيان منهجه. ومما لا شك فيه تأثر ابن القيم بشيخه ابن تيمية في تفسير القرآن والعقائد والكلام، وبالتالي يندرج هذا التأثر في التأليف وأيضا طريقته في التفسير مع توحد المنبع. ومن الذين تأثروا بابن القيم في طريقته في التفسير الإمام محمد عبده، ورشيد رضا، والشيخ محمد شلتوت، والشيخ محمد المدني، والدكتور محمد عبد الله دراز، والشيخ أبو الأعلى المودودي. وكان من الرواد المتأثرين بدعوته ودعوة ابن تيمية في القرن الثاني عشر الهجري الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وكانت طريقته في التفسير أنه يذكر الآيات ثم يفسرها تفسيرا بيانيا تحليليا، فقد أجمل في مكان منه وفسر في موضع آخر، والعكس كذلك فإن اختصر التفسير في موضع فإنه يبسطه في مكان آخر. وكان يفسر القرآن بالقرآن، ولعل هذا المنهج من أبلغ المناهج في التفسير. وقال يسري السيد محمد في منهج ابن القيم في ذلك: "ليس معنى هذا المنهج أن ابن القيم يأتي أولا في تفسير الآية بأختها من القرآن ثم يفسرها من السنة، ليس بهذا الأسلوب الذي نراه عند كثير ممن وضع تفسيرا للقرآن، لكن هذا منهج بالاستقراء تراه بارزا في مؤلفاته، فابن القيم يبرز الأدلة من الكتاب والسنة، ويستنبط الأحكام الشرعية بأسلوب سهل مبسط خال من التعقيد بنوعيه اللفظي والمعنوي". كما يهتم ابن القيم بالتفسير الموضوعي بطبيعة مؤلفاته في استيفاء جوانب الموضوع وتجلية زوايا الفكرة حتى أنه يكاد يمثل ظاهرة بارزة من ظواهر تفسيره، وعنوان بعض مصنفاته كاف للدلالة على ذلك مثل (أمثال القرآن)، (أقسام القرآن)، (الوابل الصيب من الكلم الطيب)، (الذكر في القرآن والسنة)، و(عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين). وكان في تفسيره لبعض آيات السور يذهب الى التفسير الموضوعي لها، أي إبراز الوحدة الموضوعية المتكاملة للسورة القرآنية، تلك الوحدة التي تربط بين أركان السورة بعضها إلى بعض لتخدم الأهداف التي أنزلت من أجلها، والتي يمكن أن تكون أساسا لفهم آياتها. ثم في بعض المواضع يفسر القرآن بالسنة ويتناولها بنفسه بالشرح والبيان ويقول: "والسنة كلها تفصيل للقرآن وبيان لمراد الله منه وتبيين لدلالته، فلا تعارض السنة القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجب فيه طاعته، ولا تحل معصيته". ثم ذكر أقساما كثيرة لبيان السنة للقرآن في بيان الوحي بظهوره على لسانه وبيانه بالتفسير المباشر للآية وبيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن.ومن منهجه أيضا النظر الى اللفظ ودوره في المعنى، لأنه ليس في القرآن لفظة مهملة، فاللغة هنا لخدمة القرآن الذي نزل بها، لا لإخراج القرآن عن المراد منه، ولهذا يسخّر ابن القيم اللغة تسخيرا بارعا لخدمة القرآن، فهو ليس المستكثر الممل حتى ليخّيل للقارئ أن القرآن إنما هو كتاب للنحو، والصرف، وعلوم البلاغة، ودقائق وخفايا القضايا المتعلقة بذلك لا غير، ولا هو المقل حتى يُظن بُعده عن هذا العلم. وأما بالنسبة الى اتجاهاته ومواقفه، فانه يتجه اتجاه السلفية في العقائد وأبطال المذاهب والفرق كالجبرية والمعتزلة والجهمية والشيعة والخوارج، ونرى تشابها بين ما ذكر ابن تيمية لرد دعوى هذه المذاهب وبين ما ذكر ابن القيم. ومن موقفه في التفسير أيضا الاجتناب التام لذكر الإسرائيليات فهو ينتقد بشدة من يعتمد الإسرائيليات في احتجاجه دون الالتفات لمعارضتها لأصول الدين أو للصحيح من الآثار. كما نراه يتعرض لما يشوب سير أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم مما قد لا يحذر منه كثير من المؤلفين. وأيضا يحذر من التفسير بالأحاديث المعلولة والموضوعة وينتقد الجهات السندية والدلالية لها. ومن بياناته في تفسير القرآن، الإشارة إلى الإعجاز العلمي في القرآن في الآيات التي فسرها غيره تفسيرا علميا، ولا بد أن نقرر أن ابن القيم لا يفسر الآيات تفسيرا علميا بمفهوم أصحابه، كما بين الشاطبي في الموافقات والذهبي في التفسير والمفسرون، بل يحث المسلمين على التفكر والتدبر والنظر في الكون وإلى ما خلق الله من شيء، ثم يبين الحكمة في خلق الانسان من الأعضاء والجوارح وعجيب صنعها وقدرة تدبيرها. ومن مواقفه التي انفردت به نظرية ابن القيم في التفسير عن نظرية ابن تيمية هو الاتجاه الصوفي، فإنه يكشف عن مظهر بارز من مظاهر تمييز شخصيته عن شخصية أستاذه ويبين ما يقوله أصحاب التصوف ببعديه العلمي والنظري، والتصوف في جانبه العملي، يعني في بيان منازل العبودية واختيار الآخرة الباقية على الحياة الدنيا الفانية: "كلام أئمة الطريق على هذا المنهاج كسهل بن عبد الله التستري، وأبي طالب المكي، والجنيد بن محمد، وأبي عثمان النيسابوري، فإنهم تكلموا على أعمال القلوب وعلى الأحوال كلاما مفصلا جامعا مطلقا من غير ترتيب ولا حصر للمقامات بعدد معلوم، فإنهم كانوا أجل من هذا، وهمهم أعلى وأشرف، إنما حائمون على اقتباس الحكمة والمعرفة وطهارة القلوب وزكاة النفوس وتصحيح المعاملة ولهذا كلامهم قليل فيه البركة". وللعلامة بكر أبي زيد استدراك على الكتاب أنه لم يستوعب، ويعزو في الفوائد ما ليس لابن القيم، وأن ابن القيم قد يسوق تفسير الآية على لسان صاحب القول المرجوح، فينقله صاحب البدائع على أنه راجح من أقوال الإمام.