كان الهدف من هذا السفر الكبير هو الرد على كتاب تأسيس التقديس لفخر الدين الرازي، والذي وضعه للرد على مثبتي الصفات من أهل السنة، القائلين بالاستواء والعلو على العرش والصفات الخبرية الواردة في الكتاب والسنة. وأكثر الرازي في كتابه هذا من الأدلة العقلية التي عارض بها النصوص الصحيحة، فعمد شيخ الإسلام إلى تحقيق هذه القضايا العقلية الصريحة. وعن أهمية الكتاب يقول ابن عبد الهادي تلميذ المؤلف: "وهو كتاب جليل المقدار، معدوم النظير، كشف الشيخ فيه أسرار الجهمية، وهتك أستارهم، ولو رحل طالب العلم لأجل تحصيله إلى الصين ما ضاعت رحلته". ووصفه العلامة ابن القيم بالأعجوبة فقال في الكافية الشافية: "وكذلك التأسيس أصبح نقضه أعجوبة للعالم الرباني". وسبب تأليف هذا الكتاب هو أن شيخ الإسلام لما ألَّف كتابه الفتوى الحموية في الرد على المعطلة نفاة الصفات جاءته اعتراضات من بعض المعطلة فأجابهم بكتاب جواب الاعتراضات على الفتوى الحموية. ثم إن المعطلة أجابوا على ما أورده شيخ الإسلام معتمدين في ذلك على ما أورده أبو عبد الله الرازي في كتابه "تأسيس التقديس"، فقام شيخ الإسلام بتصنيف هذا السفر العظيم الذي نقض به تأسيس الرازي. أما عن طريقة ابن تيمية في كتابه فقد أبطل حجج أهل الكفر والإلحاد من الفلاسفة والحلولية والاتحادية والجهمية وغيرهم، وفنَّد شُبَه المخالفين من الفلاسفة والباطنية والجهمية والمعتزلة والأشاعرة، مع إنصافه رحمه الله مع خصومه والمخالفين لهم ببيان ما معهم من الحق، ثم ردَّ عليهم بأقوالهم وحججهم، وبيَّن أنها عليهم لا لهم. وأَوْلى المؤلف قضية تأويل النصوص وصرفها عن ظاهرها اهتماما بالغا؛ فبيَّن أن التأويل سبب الانحراف وسبب الفرقة بين المسلمين، وأن تأويل المتكلمين لنصوص الصفات جرَّأ الفلاسفة والباطنية والقرامطة على تأويل نصوص المعاد وعلى تأويل العبادات. وبيَّن رحمه الله عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، والتي دل عليها الكتاب والسنة والعقل الصريح والفِطَر السليمة. وأفاض المؤلف في مناقشة الفلاسفة عامة وفي مناقشة ابن رشد خاصة في كثير من القضايا التي أوردها في كتابه. واتسم أسلوب المؤلف في كتابه بالتفصيل والتدقيق والترتيب وطول النفس في مباحثه وإيراد الوجوه المتعددة الكثيرة في نقض حجج المبطلين. أما عن محتوى الكتاب فإنه ينقسم إلى عشرة أجزاء؛ تناول الجزء الأول سبب تأليف الكتاب والكلام عن العلو والاستواء والجهة واليد والدهر والوجود. وتناول الجزء الثاني الكلام عن العلو والاستواء والحد والجسم والحيز والجهة. وتناول الجزء الثالث الكلام عن الجسم والحد والجهة والفوقية واليد والحيز والرؤية. وتناول الجزء الرابع الكلام عن الاستواء والعلو والنزول والحيز والجهة والجسم والرؤية. وتناول الجزء الخامس الكلام عن الجهة والمكان والمحل والمعية والفوقية والمباينة والجسم والجنب واليدين والنور. وتناول الجزء السادس الكلام عن التأويل والمعية والقرب والنفس والأصابع والجسم والجهة والصورة. وتناول الجزء السابع الكلام عن الصورة والرؤية والساق ورؤية النبي والنفس واليد والشخص والغيرة والصمد. وتناول الجزء الثامن الكلام عن اللقاء والنور والحجاب والقرب والمجيء والتأويل والمحكم والمتشابه. وجاء الجزء التاسع كقسم الدراسة في الكتاب. وأما الجزء العاشر فهو في الفهارس. ويطبع الكتاب لأول مرة محققا تحقيقا علميا قام بتحقيقه وخدمته ثمانية من الباحثين في مرحلة الدراسات العليا نالوا بها شهادة الدكتوراه من كلية أصول الدين قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود.