أصل هذا الكتاب رسالة تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير من قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى. وتأتي أهمية هذا الكتاب من أهمية موضوعه في باب العقيدة وهو موضوع الإيمان والكفر، فهو الأساس الذي جاءت نصوص الكتاب والسنة لتقريره وبيانه، وهو الذي ثبتت فيه نصوص كثيرة صريحة الدلالة في كتاب الله وفي سنة نبيه وفي الآثار الموقوفة وكلام أهل العلم تبين أن للإيمان أركانا ودعائم وشعبا وزيادة ونقصا وشرائع وضوابط ونواقض وقوادح، مع بيان مآل المؤمنين وعاقبة الكافرين. وتهدف هذه الرسالة إلى وضع الضوابط العقدية والأصول المنهجية في موضوع الإيمان والكفر، لتزيل هذا الركام الهائل من الجدل والخلافات والفرقة في صفوف الدعاة بين إفراط وتفريط. بل إن النزاع في التكفير كان أول نزاع حدث في الأمة حين كفَّرت الخوارج علي بن أبي طالب بعد حادثة التحكيم المشهورة؛ مما يدل على أن خلاف الفرق المخالفة لأهل السنة في حقيقة الإيمان والكفر ليس في حقيقته قائما دائما على نظر واعٍ واجتهاد مدروس، وإنما يكون كثيرا ردود أفعال غالية على غلو سابق. ويتميز أسلوب الكاتب بالوقوف مع إجماع السلف وعدم تجاوزه أو قبول الخلاف فيه بأي حال. كما أن قوله في أي مسألة مبني على النظر في جميع النصوص الواردة فيها وفق القواعد المقررة في أصول الفقه. مع النظر إلى عبارات السلف ومصطلحاتهم على نحو غير منبتٍّ عن سياق فهم للقضايا التي تتعلق بتلك المصطلحات. هذا مع الفهم لأصول المخالفين وما تقتضيه هذه الأصول الباطلة من البدع المناقضة لأصول أهل السنة. يدور البحث في هذا الموضوع حول ثلاثة أمور أساسية توزعت على أبوابه وفصوله؛ المحور الأول حول تقرير حقيقة الإيمان المنجي أو ما يمكن تسميته بأصل الدين وبيان ما يقابله من حقيقة الكفر. والمحور الثاني حول تقرير الأصل في ثبوت وصف الإسلام للمعين ابتداء. والمحور الثالث حول بيان الشروط التي لابد من تحققها وتبيُّنِها قبل الحكم بكفر المعيَّن، وذكر حقيقة العلاقة بين الظاهر والباطن. وبناء على ما سبق فإن الخلاف في قضية التكفير يرجع إلى الخلاف في مسألتين: الأولى: فيما يتعلق بحقيقة الإيمان وما يلزم عنه من الخلاف في حقيقة الكفر، والثانية: فيما يتعلق بالعلاقة بين الظاهر والباطن. وقد استغرق الكلام في المسألة الأولى البابين الأول والثاني؛ فكان الباب الأول في بيان حقيقة الإيمان المنجي، والفرق بينه وبين ما يثبت به وصف الإسلام للمعين في أحكام الدنيا، واستعراض الشُّبَه في القضيتين والرد عليها. وكان الباب الثاني في بيان حقيقة الكفر المخرج من الملة والرد على المخالفين في ذلك وخصوصا المرجئة، ثم بيان حقيقة الشرك والكفر الأصغر وبيان المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة في ذلك والرد عليها. أما المسألة الثانية وهي العلاقة بين الظاهر والباطن وما يتعلق بذلك من تحديد شروط وموانع تكفير المعيَّن ففي الباب الثالث.