لا شك أن كتاب السيرة الأول وسفرها الصحيح الجامع هو صحيح البخاري، وقد أسماه صاحبه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه". وعلى هذا فإن فقه السيرة مبثوث في ثنايا شروح الصحيح وعلى رأسها فتح الباري لابن حجر. وقد اجتهد بعض الباحثين في جمع السيرة النبوية من الفتح، كما في كتاب "السيرة النبوية من فتح الباري". ولا يخفى شأن الحافظ في العلم والتصنيف. ويعد الفتح من المصادر المتقدمة في دراسة فقه السيرة. وهو وإن كان شاملا في معظم أبوابه لأحداث السيرة، فإن الجزء الأهم الأوضح نجده في أبواب المناقب، فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتاب المغازي، وينتهي بأول كتاب التفسير. وكثيرا ما يحيل الحافظ على بابي المناقب والمغازي باسم السيرة النبوية. وقيمة الكتاب تتضمن تناوله بالشرح الوافي لمعاني مرويات السيرة وفققهها وتبيان الأحداث المرتبطة بها من سائر دوواوين السنة إضافة إلى الفوائد اللغوية والتراجم وغيرها.و"الفتح" من أعظم كتب ابن حجر قدرا وأعمقها علوما وأحظاها لدى المسلمين، وهو شرحه على الجامع الصحيح الذي اتفق المسلمون على أانه أصح كتاب بعد كتاب الله وهو صحيح الإمام البخاري (256هـ).ويعد "الفتح" بحق أحد دواوين الإسلام المعتبرة ومصادره العلمية المهمة، فلا يستغنيعنه طالب علم ولا فقيه؛ بل ولا مفتٍ ولا مجتهد. فجاء الشرح سفرا ضخما جليلا أخذفي جمعه وتأليفه وإملائه وتنقيحه أكثر من خمس وعشرين سنة، فجمعفيه شروح من قبله على صحيح البخاري باسطا فيه إيضاح الصحيح وبيان مشكلاته، وحكاية مسائل الإجماع وبسط الخلاف في الفقه والتصحيح والتضعيف واللغةوالقراءات، مع العناية الواضحة بضبط الصحيح.