يعد كتاب غريب القرآن لابن قتيبة عمدة كتب غريب القرآن عند المتقدمين وأوثقها، وهو تتمة لكتاب آخر موسوم بـ "تأويل مشكل القرآن" للمؤلف نفسه، ولكنه أفرد الغريب بكتاب مستقل لئلا يطول كتاب المشكل، مما يدل على حرصه على أن تكون كتبه وجيزة خفيفة على قرائها لتنشط إليها نفوسهم دون سآمة من الإطالة. والمراد بالغريب هو تلك المفردات التي تباعد عهد تداولها عن ألسنة الناس لأسباب زمنية أو مكانية أو لاختلاف القراءات وغيرها. وقد استقى ابن قتيبة مادته من كتب التفسير وكتب اللغة. وبيَّن في مقدمته منهجه وطريقته في التفسير ومصادره التي أفاد منها فقال: "وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا هذا أن نختصر ونكمل، وأن نوضح ونجمل، وأن لا تستشهد على اللفظ المبتذل، ولا نكثر الدلالة على الحرف المستعمل، وألا نحشو كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث، لاحتجنا إلى أن نأتي بتفسير السلف رحمة الله عليهم بعينه. ولو أتينا بتلك الألفاظ، كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقلة الحديث، ولو تكلفنا بعد اقتصاص اختلافهم، وتبيين معانيهم، وفتق جملهم بألفاظنا، وموضع الاختيار من ذلك الاختلاف، وإقامة الدلائل عليه، والإخبار عن العلة فيه؛ لأسهبنا في القول، وأطلنا الكتاب، وقطعنا منه طمع المتحفظ، وباعدناه من بغية المتأدب، وتكلفنا من نقل الحديث ما قد وقيناه وكفيناه". ومن ثم فإنه بدأ في تفسير الغريب مرتبا بحسب سور القرآن الكريم؛ فكان في تفسيره للألفاظ القرآنية بين الاختصار وكمال المعنى، أي بين الإيضاح والإجمال، وكان يستشهد على الألفاظ التي تحتاج إلى الاستشهاد، ولم يملأ كتابه بالتفسيرات النحوية أو ذكر الأسانيد؛ لأن ذلك يطيل الكتاب ويخرجه عن هدفه. أما نقوله فكان ينقل كثيرا عن أبي عبيدة في مجاز القرآن، وقلَّ أن يشير إلى غيره، كما أنه لم يتناول تفسير المشكل لأنه أفرده بالتأليف. وقد عقد بابا لاشتقاق أسماء الله وصفاته وإظهار معانيها، ثم عقد بابا ثانيا لتفسير الألفاظ التي كثر ورودها في القرآن الكريم. أما عن سبب إفراد أسماء الله واشتقاقاته في مطلع هذا التفسير؛ فذلك لكثرة ورود هذه الأسماء والصفات في ختام كثير من الآيات، وورودها في القرآن كثيرا؛ فأفرد لها هذا الباب حتى لا يكرر تفسيرها في كل آية وردت فيها، إلى جانب أن مردّ هذه الأسماء والصفات إلى القرآن والسنة؛ فلزم بيان معانيها حتى لا تفسر بالرأي والاجتهاد. أما عقد باب لتأويل الحروف التي كثرت في القرآن، فذلك حتى لا يصعب على طالب المعنى إيجادها في موضعها من القرآن الكريم، ولكثرة ورودها في هذا الباب. ومما قد يؤخذ على الكتاب مجانبة ابن قتيبة للصواب في بعض اجتهاداته التي لم يبنها على اشتقاق الكلمة؛ ومن ذلك تفسيره لقول الله تعالى في سورة الرعد «وفي الأرض قطع متجاورات» بـ"قرى متجاورات"، والصواب، حسب المحقق، أن يتركها على أصلها ولينصرف إلى تفسير التجاور كما فعل الطبري؛ حيث فسرها بـ "في الأرض قطع متقاربة بالجوار". كما أن المصنف لم يراع أي ترتيب في القسمين الأولين؛ فقد وقف في القسم الأول على تفسير أسماء الله الحسنى من دون ترتيب وذكر في أولها: الرحمن، فالرحيم، فالسلام، فالقيوم، فالسبوح .. وفي القسم الثاني: الجن والناس، فإبليس، فالشرك ..إلخ. ومن الملاحظات في التفسير كذلك اعتماده على شعر وأقوال من غير معرفة قائلها مأخوذة من كتب اللغة، فرمى بمسؤولية ذلك على أصحاب اللغة؛ ومن أمثلتها كتب الأمثال، علما أن اختلاف غرضي اللغويين والمفسرين يوجب اختلاف المنهجين؛ لأن اللغويين همهم هو الكلام الإنساني، أما المفسرون فَهَمُّهم هم الكلام الإلهي. ولكن إجمالا فقد ظهر ابن قتيبة في منهجه في تفسير الغريب بكل خصائص المفسر السني الذي أخلص لمبادئ أهل السنة والجماعة؛ فتجنب الاجتهاد العقلي، وآثر النقل.