يعد هذا البحث أول أطروحة علمية أكاديمية في هذا الموضوع في الجامعات السعودية. وتهدف الدراسة إلى الربط بين الجانب الفكري والشرعي في سياق متصل حول مذهب فكري يثار حوله الجدل من حيث حقيقته وموقف الإسلام منه. وقد دفع الكاتب إلى التصنيف في هذا الموضوع كثرة المذاهب الفكرية التي فرضت على الأمة الإسلامية، وأجبرت الأمة على تبنيها إما بالاحتلال المباشر وإما بالضغوط السياسية والاقتصادية، وإما بالإعلام الموجَّه والهزيمة النفسية والفراغ العقدي؛ ومنها (الليبرالية) التي تمثل الجاهلية الغربية في أقبح صورها. وقد تتبع الباحث في محتوى كتابه (الليبرالية) من جذورها الأولى مرورا بالنهضة والتنوير إلى صعودها في القرن التاسع عشر ثم هبوطها في القرن العشرين ثم عودتها للصعود مرة أخرى. وأحكم الباحث أسسها الفكرية المكوِّنة لمفهومها مبينا بذلك الحقيقة المركبة لهذا المذهب من (الحرية) و(الفردية) و(العقلانية). كما تعرَّض لاتجاهات الليبرالية ومدارسها المتنوعة وأبرز المحرك الفاعل وراء هذه الفكرة وهو (الطبقة البرجوازية)، وهذا ما جعل هذا المذهب يظهر بصور متعددة وأشكال مختلفة تصل إلى حد التناقض، وبهذا ظهرت الصورة المخادعة والمراوغة للفكر الليبرالي عبر التاريخ الغربي المعاصر. ثم تعرض لتطبيقات الليبرالية في المجال السياسي والاقتصادي مختتما كل جانب بالأزمة الخانقة له في مجال التطبيق العملي. وقد اعتنى الباحث بنفوذ الليبرالية إلى العالم الإسلامي في الحكم والسياسة والمال والاقتصاد وتيارات الليبرالية ودعوى الإسلام الليبرالي وتفصيلات ذلك كله. كما بيَّن موقف الإسلام من الحريات، والفرق بين الفكر الإسلامي والليبرالي حول الحرية؛ فالليبرالية فهم خاص للحرية، وليست هي الحرية. كما بيَّن الحكم الشرعي في الليبرالية، وعرض حقيقتها على أصول الإسلام ومحكماته الكبرى. وتحدث الكاتب في مقدمة بحثه عن اعتماده على مجموعة من المناهج العلمية وهي كما يقول: "المنهج التاريخي: وذلك من خلال تتبع فكرة الليبرالية قبل ظهور المصطلح وأسباب نشأتها ودور الرأسماليين فيها، ثم بعد ظهورها واختلاف أطوارها واتجاهاتها إلى الواقع المعاصر الذي نعيش فيه. المنهج الوصفي: حيث قمت بتوصيف أفكار الليبرالية من مصادرها الأصلية، وكلام مؤسسيها. المنهج التحليلي: وذلك بالمقارنة بين آراء مؤسسيها في البدء وما صارت إليه بعد ذلك... المنهج النقدي: حيث قمتُ بعملية نقدية واسعة لبنية الفكر الليبرالي وتناقضه في ذاته وعدم إمكانية تطبيقه بصورته النظرية الكاملة". وقد راعى الكاتب في أسلوبه النظرة الشمولية للموضوع مع سعتها وتشعبها وكثرة مادتها. أما عن الدراسات السابقة التي وقف عليها الكاتب في هذا الموضوع، فعلى كثرة البحوث والرسائل الجامعية في موضوع الحريات والديموقراطية والرأسمالية، فإنه لم يقف إلا على رسالة ماجستير واحدة في موضوع الليبرالية بعنوان "مفهوم الليبرالية عند جون ديوي" للباحث ياسر بن عبد المنصف قنصوه وهي رسالة مفيدة من وجهة نظر الكاتب وإن له عليها ملاحظات. ويمتاز كتابنا هنا بالجمع بين دراسة التصور الفلسفي لليبرالية، مع تقويم تطبيقاتها في العالم الغربي والإسلامي، والحكم الشرعي عليها، بتجرد وحيادية وأسلوب موضوعي علمي.