هذا الكتاب للعلامة ابن قيم الجوزية يعرض فيه لجوانب التحريف في النصرانية واليهودية، مستشهدا لكل ما يذهب إليه بنصوص من الكتب النصرانية واليهودية، وفيه رد على انتقاداتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومدافعا عنه ومبينا حجته ببشارة التوراة والإنجيل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد كان الباعث على تأليف الكتاب ما ذكره كاتبه من أنه كان انتهى إليه مسائل أوردها بعض الكفار الملحدين على بعض المسلمين، فلم يصادف عنده ما يشفيه، وظن المسلم أنه بضربه يداويه، فسطا به ضربا وقال هذا هو الجواب، فقال الكافر: صدق أصحابنا في قولهم إن دين الإسلام إنما قام بالسيف لا بالكتاب، فشمر المصنف عن ساعد العزم ليستخدم أسلوب الجدال لا الجلاد، فمجادلة الكفار بعد دعوتهم إقامة للحجة وإزاحة للعذر: {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة}، والسيف إنما جاء منفذًا للحجة، مقومًا للمعاند، وحدًا للجاحد.وقد وقع الكتاب في مقدمة ثم قسمين، سبقها مقدمة المحقق عثمان جمعة ضميرية التي تكلم فيها أولا على الحوار مع أهل الكتاب والمؤلفات في ذلك، إذ ذكر منها 40 مؤلفا للمتقدمين و59 مؤلفا معاصرا، ثم تكلم على علاقة الإسلام بالشرائع الأخرى والبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأخيرا الكتاب الذي بين أيدينا وأهميته ومكانته وموضوعه وأسلوبه.. القسم الأول من الكتاب ذكر فيه ابن القيم أجوبة المسائل، وهي سبع شبهات كان يثيرها الكفار بسؤالهم المسلمين إياها، وهي: (1) قولهم: قد اشتهر عندكم بأن أهل الكتابين ما منعهم من الدخول في الإسلام إلا الرئاسة والمأكلة لا غير، (2) قولهم: هب أنهم اختاروا الكفر لذلك، فهلا اتبع الحق من لا رئاسة له ولا مأكلة، إما اختيارا وإما قهرا؟ (3) قولهم: مشهور عندكم في الكتاب والسنة أن نبيكم كان مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل لكنهم محوه عنهما لسبب الرئاسة والمأكلة، فالعقل يستشكل ذلك، أفكلهم اتفقوا على محو اسمه من الكتب المنزلة من ربهم شرقا وغربا جنوبا وشمالا؟! (4) إن عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ونحوهما شهدوا لنا بذلك من كتبهم، فهلا أتى ابن سلام وأصحابه الذين أسلموا بالنسخ التي لهم كي تكون شاهدة علينا؟ (5) قولهم: إنكم نسبتم الأمتين العظيمتين المذكورتين إلى اختيار الكفر على الإيمان للغرض المذكور، فابن سلام وأصحابه أولى بذلك الغرض، لأنهم قليلون جدا، وأضداده كثيرون لا يحصيهم عدد، (6) قولهم: تدخل علينا الريبة من جهة عبد الله بن سلام وأصحابه، وهو أنكم قد بنيتم أكثر أساس شريعتكم في الحلال والحرام والأمر والنهي على أحاديث عوام من الصحابة، الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم، فابن سلام وأصحابه أولى أن تأخذ بأحاديثهم ورواياتهم، لأنهم كانوا أهل علم وبحث ودراسة وكتابة، (7) نرى في دينكم أكثر الفواحش فيمن هو أعلم وأفقه في دينكم كالزنى واللواط والخيانة، والحسد والبخل، والغدر والجبن، والكبر والخيلاء، وقلة الورع واليقين، وقلة الرحمة والمروءة والحمية، وكثرة الهلع، والتكالب على الدنيا والكسل في الخيرات، وهذا الحال يكذب لسان المقال. والقسم الثاني في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بجميع أنواع الدلائل.وقد جاء الكتاب كما يقول مصنفه ممتعا معجبا لا يسأم قاريه ولا يمل الناظر فيه، فهو يصلح للدنيا والآخرة، يعطي القارئ ما شاء من أعلام النبوة وبراهين الرسالة وبشارات الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضا دراسة للأديان وتمييز صحيحها وفاسدها وكيفية فسادها بعد استقامته، كما يتضمن جملة من فضائح أهل الكتابين وما هم عليه وأنهم أعظم الناس براءة من أنبيائهم وأبعدهم عنهم، وتخلل ذلك أبحاث علمية كثيرة قد لا توجد في سواه. وقد امتاز أسلوب المصنف بوضوح العبارة والبعد عن الجفاف والتعقيد الذي قد يلحظ في مثل هذه المباحث الجدلية والردود، وكذلك قوة الحجة وتنوع وسائل الاستنباط كما هو معهود من المصنف. أما مصادر الكتاب فقد اعتمد المصنف جملة من المصادر، ما بين التفاسير كالطبري ودواوين الحديث والسيرة والشمائل والدلائل، وكتب الطبقات وتراجم الصحابة وأيضا كتب الشعر والأدب. وقد اعتمد على مجموعة من المصادر المتخصصة وعلى رأسها كتاب شيخه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح".