الكتاب يمثل جهدا قيما للمفكّر الإسلامي البارز الدكتور علي المنتصر الكتاني، الذي يعد أول من أخذ على عاتقه الوفاء بواجب كفائي حيث جمع معلومات قيمة مستقاة من المصادر الأصيلة - حوالي خمسمائة مصدر أغلبها مصادر إسبانية بأسمائها وصفحاتها - عن الظلم والقتل والتشريد والتعصب الذي عانى منه المسلمون طوال العصر الحالك الذي أعقب سقوط الأندلس، واستوعب بدراسته العميقة الملامح العامة للتضحيات التي قدمها المسلمون خلال هذه المدة، وأثبت فيه ما قام به أهل الإسلام من جهود للحفاظ على هويتهم الإسلامية وشخصيتهم العربية. والمؤلف ليس بعيدا عن واقع الأندلس الذي يحكيه، فهو يذكر والده الشيخ العلامة محمد المنتصر بالله الذي علمه منذ نعومة أظافره حب الإسلام والأندلس، والذي أحب أهل الأندلس فأحبوه ونصحهم فأعزوه، فكان أول من افتتح مسجد القاضي أبو عثمان بقرطبة، وأول من توجه ناصحًا لمجلس قرطبة البلدي. ويذكر والدته السيدة أم هانئ بنت الشيخ عبد السلام الفاسي الفهري، سلالة بني الجد المنحدرين من لبلة.وقد انطلق الكاتب من حقيقة أن دراسة أسباب الانهيار الكامل الذي حدث بالأندلس دراسة جدية موضوعية أمانة في أعناق علماء المسلمين. وتعتبر سنة 1492م عمومًا كأنها تمثل نقطة نهاية سقوط المسلمين في الأندلس - السنة التي سقطت فيها دولة غرناطة آخر دول الإسلام سقوطًا - حيث تنازل أبو عبد الله عن قصر الحمراء ومدينة غرناطة لفرديناند وإيزابيلا، فكانت هذه نقطة نهاية سقوطهم سقوطًا سياسيًّا، ولكن العالم الإسلامي ظن أنه نهاية باب من أبواب التاريخ الإسلامي وافترض أن التواجد الإسلامي في الأندلس انتهى بنهاية دولتهم. فأصبحت القضية عندهم نسيًا منسيًّا وصارت أمرًا مفروغًا منه. ومن هنا بدأت الكارثة الكبرى وشاهدت الأندلس مشاهد لم ترها العيون من المذابح والمجازر التي استمرت أكثر من قرنين كاملين.لكن الأندلسيين لم يختاروا الخروج عن الإسلام بعد انهزامهم، ولا قبول أمر الواقع من الهجرة من ديارهم أو الاندماج في القوى النصرانية الغازية. وليس الأمر كما يصوره الغرب إذ يمر التاريخ الإسباني على طول الحقبة الإسلامية من تاريخ الأندلس وكأنها حقبة عابرة لا قيمة لها في تكوين الشخصية الأندلسية المعاصرة. فهذا تجاهل للواقع التاريخي الأندلسي. إذ أن الإسلام لم ينقرض في الأندلس بسقوط غرناطة، بل دخل الأندلسيون في حقبة طويلة من الدفاع المرير عن شخصيتهم وعقيدتهم الإسلامية دامت قرونًا وبقيت آثارها في المجتمع الأندلسي إلى اليوم. وقد برهن الشعب الأندلسي في صراعه المتواصل على تشبثه بالإسلام دينًا، وبالعربية لغة، لدرجة أصبح فيها مزدوج الشخصية، يتظاهر بدين ويضمر خلافه.وقد طوف بنا الكاتب عبر الزمان والمكان لينقل لنا صورة حقيقية عن الأندلس من هذه الزاوية خلال اثني عشر فصلا: الفصل الأول: نشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس، ويشمل الأمة الأندلسية وتكوينها، قيام مملكة غرناطة، جهاد مملكة غرناطة المتواصل، اتحاد الممالك النصرانية، الحرب الأهلية وسقوط غرناطة؛ الفصل الثاني: الاضطهاد والتنصير 1492 - 1568م ويشمل بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492-1502م)، محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا، ذروة اضطهاد المسلمين 1502-1567م، وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة، وضع المدجنين في مملكة أراغون؛ الفصل الثالث، ثورة غرناطة الكبرى (1568-1570 م) ويشمل تهيئ الثورة، إعلان الثورة وبيعة ابن أمية، انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية، مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو، الانهزام والاستسلام، التشتيت وزيادة القهر (1570-1608م)، إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة، أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570م إلى سنة 1608م، أوضاع المسلمين في مملكة أراغون في سنة 1570م إلى سنة 1608م، علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570م إلى 1608م، التفكير في الطرد؛ الفصل الخامس: طرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608-1614م) ويشمل قرار الطرد سنة 1608م، طرد مسلمي مملكة بلنسية، طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون، مسلمي مملكة قشتالة، المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم؛ الفصل السادس: ديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية ويشمل ديموغرافية المورسكيين، حياة المورسكيين الدينية، حياة المورسكيين الاجتماعية، حياة المورسكيين الاقتصادية، الثقافة المورسكية؛ الفصل السابع: استمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر ويشمل إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، معاملة الدولة للمورسكيين، معاملة محاكم التفتيش، مؤامرات وثورات، شواهد الرحالة؛ الفصل الثامن: تكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين) ويشمل إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين، الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية، انبعاث الهوية الأندلسية (1808-1873م)، بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي، تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده؛ الفصل التاسع: انبعاث القومية الأندلسية (1975-1990م) ويشمل دكتاتورية فرانكو (1939-1975م)، رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية، إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي، رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي، إحصائيات الأندلس المعاصرة؛ الفصل العاشر: الانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970م) ويشمل الجمعيات الإسلامية للوافدين، الطريقة الدرقاوية في غرناطة، جمعية قرطبة الإسلامية، محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس، محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس؛ الفصل الحادي عشر: الجماعة الإسلامية في الأندلس ويشمل الأيام الأولى في إشبيلية، الانطلاقة من إشبيلية، النكسة والانطلاقة الجديدة، العودة إلى قرطبة، العلاقة مع الشتات الأندلسي؛ الفصل الثاني عشر: الشتات الأندلسي اليوم ويشمل الأندلسيون في المغرب، الأندلسيون في تونس، الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية، الأندلسيون في القارة الآسيوية، الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا؛ ويختم بملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين المشتملة على 47 بندا.والكتاب يجمع بين حماس كاتبه الدعوي الدفاق، وجديته العلمية، وأسلوبه الأدبي الراقي، ومنهجه التاريخي المحايد. ولا شك أن هذه المزايا ضمنت للكتاب مكانة مرموقة بين الأدب الإسلامي المعاصر.