رسالة في الطريق إلى ثقافتنا كتاب للمؤلف الشيخ محمود محمد شاكر (1909م - 1997م) شيخ العربية في زماننا وشيخ الأدباء كما لقبه بذلك أبناء عصره، والكتاب دراسة معمقة جعلها كاتبها الشيخ محمود محمد شاكر مقدمة للطبعة الثالثة من كتابه "المتنبي"، والذي كتبه عندما طلب منه رئيس تحرير مجلة المقتطف الأستاذ فؤاد صروف أن يكتب رسالة صغيرة عن المتنبي، فعكف شاكر وأخرج في فترة وجيزة هذا الكتاب الماتع ومقدمته التي تحولت فيما بعد لـ "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا". وقد ألقى فيه شيخنا الضوء على فترة طويلة من تاريخ أمتنا الإسلامية، بغرض تبيان أحداث كانت سببا في انحراف البوصلة، ومعرفة من كان يقف خلف هذه الأحداث التي أدت إلى وأد النهضة الإسلامية. وقد أراد محمود شاكر أبو فهر من خلال هذه الرسالة الكشف عن جذور الصراع التي أدت هزيمتنا فيه إلى فساد حياتنا الأدبية والسياسية والاجتماعية والدينية. وأراد أن يبين فيه حقيقة الصراع الحضاري بين الإسلام وبين الكفر وكيف أن الإسلام كان يوما هو الحضارة التي تنهل منها أمم العالم وكانت لغته هي لغة العلم، وكان يجمع بين التقدم الدنيوي وبين الوحي الذي يهدي الناس، وهذا المعنى غاظ الصليبيين في صراعهم مع المسلمين فبدأوا يخططون كيف يسعون في غزو هذا العالم الإسلامي والظهور عليه. حاولوا أولا بالطرق العسكرية ففشلوا مرات ومرات فلم يجدوا إلا الطرق الملتوية وإلا الحيل فاستعملوا الاستشراق واستعملوا الغزو الفكري المعروف واستعملوا الإرساليات والبعوث واستعملوا أنواع الاحتلال الثقافي إلى أن بدأ شأن المسلمين ينزل شيئا فشيئا وشأنهم يصعد شيئا فشيئا إلى أن أحكموا قبضتهم على العالم الاسلامي إلى أن صار الأمر على الحال الذي نحن عليه من كونهم العالم الأول ونحن صرنا في العالم الثالث. يحكي قصة هذا الصراع ولكن بعين البصيرة بعين رجل أمين.. أمين في التاريخ والنقل أمين في انتمائه لدينه وأمته أمين في معرفته بمعنى القيم ومعنى اللغة ومعنى العقيدة ومعنى التاريخ ومعنى الانتماء ومعنى الهوية على نحو لا تجده في عامة الأدباء الذين كانوا جزءا كبيرا من المرض. لم يقسم الكاتب كتابه إلى أبواب وفصول، باعتبار أن الرسالة مقدمة لكتاب سابق، فأخذ يتحدث إلى قارئه حديثا متسلسلا معتمدا على تقسيم الرسالة إلى فقرات، فوقع الكتاب في 24 فقرة، وختم بشهادة له ولطه حسين على فساد أدب عصره وثقافته. ويمكن تقسيم الكتاب إلى أربعة محاور هي: رحلة المؤلف إلى منهج التذوق، والصراع بين الإسلام والنصرانية الأوروبية وانتهاء بمعركة الاستشراق، ونهضة ديار الإسلام وكيف أبيدت، والتفريغ الثقافي وفساد الحياة الأدبية. وهو يقرر تقريرات تغلق الباب أمام كثير من الجدالات والترهات في قضية الثقافة والحضارة، بنفس عربي إسلامي أصيل، يقرر بادئ ذي بدء أن "رأس الثقافة هو الدين أو ما كان في معنى الدين". والكتاب جدير بالقراءة الواعية المتأنية، أو كما قال أحدهم " قراءة هذا الكتاب فرض عين ثقافي"، ومن الكتب القليلة التي يضيق المقام عن عرضها والتعليق عليها، وتوجد دراسات وأبحاث كاملة حول الكتاب وكاتبه فلتراجع.