يصنَّف هذا الكتاب ضمن كتب السياسة الشرعية على المذهب الحنفي. وهو في حقيقته شرح لكتاب: "السير الكبير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت١٨٩ه)، الذي يعد آخر مصنف له. وقد جمع فيه المسائل المتعلقة بالجهاد وفضله وأحكامه وما يتعلق بالأسرى والفيء وما يتعلق بأحكام أهل الذمة. وأصل الشرح أن المصنف قد أملاه على تلامذته في آخر فترة من محبسه، فلما بلغ كتاب الشروط أُطلق سراحه في ربيع الأول سنة (٤٨٠ هـ) فذهب إلى مرغينان وأتم شرحه في جمادى الأولى من السنة نفسها. وشرحه هذا هو الذي وصل إلينا حيث إن السير الكبير نفسه لم يبلغنا إلا من طريق هذا الشرح. وحول دواعي تسمية الكتاب بهذا الاسم يقول الإمام السرخسي: "اعلم أن السير جمع سيرة وبه سمي الكتاب لأنه بيَّن فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب، ومع أهل العهد منهم من المستأمنين وأهل الذمة، ومع المرتدين الذين هم أخبث الكفار بالإنكار بعد الإقرار، ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين"، أما لفظ الكبير فقد أطلقت تمييزا له عن كتاب "السير الصغير" الذي وضعه الشيباني أولا وجاء مختصرا. ويهدف السرخسي من شرحه إلى تعليل نصوص السير مبينا بعض الأحكام والأدلة، مفرعا عليه بعض المسائل الفقهية في أمور الجهاد والحرب. وتأتي أهمية الشرح من أهمية أصله الصادر في القرن الثاني الهجري ليرسي نظرية إسلامية متكاملة في العلاقات الدولية الإسلامية في حال الحرب والسلم. وقد وضعه الشيباني في ستين دفترا، وفور الانتهاء منه أمر برفعه إلى الخليفة هارون الرشيد فاطلع عليه وأعجب به وعده من مفاخر أيامه، وبعث ابنيه الأمين والمأمون إلى مجلس الشيباني ليسمعوا الكتاب منه. وقد طبع الكتاب بالهند لأول مرة بشرح الإمام السرخسي في أربعة مجلدات ضخام، وقام محمد المنيب العنتابي بنقله إلى التركية في عهد السلطان محمود خان لإفادة رجال الدولة وقواد الجيش في مسائل الجهاد والعلاقات مع الآخر. أما عن أسلوب شرح السرخسي فقد قام بشرح كل عبارة من عبارات الأصل بلغة واضحة ضاربا عليها الأمثل وموضحا ما غمض منها ومستزيدا من الأدلة ومفرعا عليها أحكاما فقهية مزيدة. أما عن المحتوى التفصيلي للكتاب فقد شرح فيه المصنف ما أورده صاحب السير في موضوعات الجهاد؛ منها: فضيلة الرباط، والإمارة، والرايات والألوية، والقتال في الأشهر الحرم، والبكاء على القتلى، ومن أسلم في دار الحرب، وشهود النساء الحرب، والأمان، والأنفال والغنائم، ومعاملة الأسرى، وهدية أهل الحرب، والإكراه في دار الحرب، والفداء، والموادعة، والحدود، والجزية... وغيرها. وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ما يفيد أن الواقدي من الروافد المهمة في كتاب السير الكبير.