يصنف هذا الكتاب كأحد مصادر الحديث النبوي المعتبرة. والكتاب في حقيقته كتاب في أحاديث الأحكام وأدلة المسائل الفقهية الخلافية مرتب على الكتب والأبواب الفقهية. ويهدف المصنف إلى ذكر الآثار في الأحكام الفقهية التي يتوهم أن بعضها ينقض بعضا، وبيَّن ناسخها من منسوخها ومقيدها من مطلقها وما يجب به العمل وما لا يجب. يقول ابن حجر عن أهمية الكتاب في كتابه "إتحاف المَهَرة بأطراف العشرة": "أحد كتب الحديث العشرة التي تلي الكتب الستة من حيث كونها مظنة الحديث الصحيح". فهو من أعظم دواوين الإسلام وأنفسها، وأكثرها فائدة ونفعا. يقول المصنف عما دفعه لتصنيفه: "سألني بعض أصحابنا من أهل العلم أن أضع له كتابا أذكر فيه الآثار المأثورة عن رسول الله في الأحكام التي يتوهم أهل الإلحاد والضعفة من أهل الإسلام أن بعضها ينقض بعضا لقلة علمهم بناسخها من منسوخها، وما يجب به العمل منها لما يشهد له من الكتاب الناطق والسنة المجتمع عليها". وقد جمع المصنف في أسلوب هذا الكتاب بين فقه الحديث، وحسن الاستنباط، وطريقة الأصوليين، وأقوال في الجرح والتعديل. يقول المصنف: "وأجعل لذلك أبوابا أذكر في كل كتاب منها ما فيه من الناسخ والمنسوخ وتأويل العلماء واحتجاج بعضهم على بعض، وإقامة الحجة لمن صح عندي قوله منهم بما يصح مثله من كتاب أو سنة أو إجماع أو تواتر من أقاويل الصحابة أو تابعيهم" فهو يترجم الباب على مسائل الفقه، وينبه بذلك على استنباطات عزيزة من الأحاديث، كما أنه يعرِّف بالراوي من حيث نسبه واسمه وصحبته. فالإمام الطحاوي -رحمه الله- يسوق الأخبار التي يتمسك بها أهل العلم في مسائل الخلاف بسنده، كما يتوسّع في سرد الأسانيد، ثم يدرسها دراسة دقيقة وينقدها، ويذكر أدلة المخالفين له في الباب مع إثبات أدلة الحنفية، ثم يرجح ما استبان له وجه الصواب منها، وغالبا ما يأتي بالرأي المخالف له في الأول، وهو في كل هذا يتبع الدليل والأثر وينقاد له. كما يظهر إنصافه واعتذاره وأدبه مع من يتكلم فيه من الرواة. ولا شك أن عملا كهذا الكتاب يسلك مؤلفه عدة مناهج في آن واحد؛ فهو يسلك المنهج الاستقرائي لجمع المرويات، ويسلك المنهج الاستنباطي لاستخراج القواعد الكلية من الأحكام الجزئية، ويسلك المنهج الوصفي لوصف المسائل المختلفة. وينقسم محتوى الكتاب على الأبواب الفقهية حيث يتضمن الحديث عن كتب الطهارة والصلاة والزكاة والصيام ومناسك الحج والنكاح والطلاق والعتاق والأيمان والنذور والحدود والجنايات والسِّيَر والبيوع والصرف والهبة والصدقة والرهن والشفعة والقضاء والشهادات والصيد والذبائح والأضاحي والأشربة والكراهية والزيادات والوصايا والفرائض. وللكتاب مزايا عديدة؛ منها جمعه الفريد للكثير من الأحاديث غير الموجودة في غيره، مع سرد أسانيد الأحاديث، إضافة إلى الفوائد المستنبطة من الأحاديث. ومما يؤخذ على الكتاب أنه يروي أحيانا عن مستور الحال مما يضعف من بعض رواياته.