يعد هذا التفسير من أغنى المراجع في بابه إذ كتبه علم من أعلام التابعين وهو الإمام مجاهد بن جبر الذي اشتهر برواية الحديث والآثارعن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة الأخيار، حتى لا يكاد يخلو كتاب من كتب التفسير سواء بالمأثور أو بالرأي أو التفسير الإشاري وغيرها من عرض بعض تفسيراته. ورغم أن ما رواه لا يتضمن تفسيرا كاملا للقرآن، إلا أنه ما اقتصر عليه من بعض معاني الآيات يعد مرجعا مهما لمن صنف في التفسير من بعد. وقد بقي هذا التفسير قرونا طويلة على شكل شتات مبعثرة أو بين دفتي المخطوطات غير المحققة. وتفسير مجاهد من التفاسير التي نقلت عن أصحابها بواسطة الرواة، ومجاهد يروي ما يمليه على تلاميذه مما سمعه من حبر الأمة ابن عباس وغيره من الصحابة، ثم يستعمل رأيه في تفسير بعض الكلمات اعتمادا على ما يعرفه من المعاني اللغوية، كما يستعمل رأيه في توضيح بعض الدلالات لحملها على محمل معروف من الحقيقة والمجاز. وبذلك عُد مجاهد في تفسيره هذا المروي عنه من أوائل من جمع بين المأثور في التفسير وبين شيء من الرأي والتأويل والإشارة إلى المعاني البلاغية. فقد فسر القرآن بالقرآن كأن يذكر الآية ويقول بعدها: هذا مثل قوله تعالى ويذكر آية أو آيات أخر في موطن آخر لها نفس الدلالة أو توضح المقصود من الآية المذكورة، كما أنه يفسر القرآن بالسنة بذكر ما شرحه النبي صلى الله عليه وسلم للآية أو موافقة الحديث للآية في المعنى، وكذا يفسر المصطلحات والعبارات القرآنية باعتبار اللسان العربي. وقد دفعه تفسيره بالرأي أحيانا إلى إبعاد النجعة كما ورد في تفسيره لقوله تعالى: "إلى ربها ناظرة" أي تنتظر الثواب من ربها، أو في تفسيره لقوله تعالى: "والله محيط بالكافرين" أي جامعهم في نار جهنم، مما ضعفه ابن كثير وغيره. وقد أتى الكتاب في ترتيبه موافقًا لترتيب السور والآيات في المصحف الشريف، ولكن مجاهد رحمه الله لم يتعرض لسورة الفاتحة ولا لسورة الكافرون بأدنى تفسير. ويذكر مجاهد رحمه الله أحيانا سبب النزول، واستنباط الأحكام، والأخذ من أهل الكتاب. إلا أنه من الملاحظ أن التفسير اللغوي عنده كان أكثر ما يفسر به القرآن يليه التفسير بالرأي ثم جاء التفسير بالمأثور قليلا نسبيا إذ قلما يعزو الإمام مجاهد آراءه إلى مصادرها من أقوال الصحابة أو مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان موافقا لها في العموم.