تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة
محمد أمحزون
تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة
نبذة عن الكتاب

أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه بعنوان "تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين" للمؤلف الأستاذ الدكتور محمد أمحزون، الذي يشغل حاليا منصب أستاذ التاريخ الإسلامي الوسيط بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل، والرسالة تحت إشراف الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، أستاذ كرسي السنة وعلومها بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط. والبحث يعد واحدا من أهم الدراسات الجادة التي تناولت "موضوعا جليلا وخطيرا لأنه من الموضوعات الحية المتجددة، المصاحبة للإنسانية ما بقي في الأرض مسلمون، وما استمرت الكلمة المدونة هادية للبشرية ملهمة لها، يعنى بدرسه المسلمون عامة والمؤرخون بصفة خاصة، لما للصحابة رضوان الله عليهم من شأن ليس كشأن غيرهم". وهو استجابة للدعوة إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي التي نبغت في العصر الحديث وكان من روادها محب الدين الخطيب في مؤلفاته وسيد قطب في كتابه "في التاريخ فكرة ومنهاج". وقد قدم للبحث المشرف فاروق حمادة حيث بين أهمية البحث وكيف خاض الباحث في بحوث شائكة وآراء خطيرة بشجاعة وإقدام وثقة ويقين بما يكتب، وبغيرة واضحة ولهجة صريحة من غير ختل أو مواربة، إزاء طائفتين من الخائضين في الفتنة على غير هدى وهم الأدباء والمؤرخون.وقد بحث المؤلف موضوعه في ثلاثة أبواب، حيث تناول في الباب الأول دراسة لقضايا المنهج وعوامل التحريف في التاريخ الإسلامي ومنهج دراسته وفقه تاريخ الصحابة، كما تعرض أيضا للواقع الفكري المعاصر. ويتناول كذلك التعريف المفصل بالإمام الطبري ومنهجه وكتابه "التاريخ". وفي الباب الثاني وطأ بمقدمات هامة عن الفتنة والسبئية التي تناقل الناس أخبارها عبر القرون جيلا إثر جيل وأنكرها نفر من المعاصرين، وعني أساسا بالفتنة الأولى. وقد مهد في مبحث خاص مهم عن عوامل الفتنة في خلافة عثمان رضي الله عنه منصفا ذا النورين رادا عن حماه ما ألصقه الجانحون والأحداث قديما وحديثا. ثم أتبع ذلك بموقف الصحابة من الفتنة عموما وهذه خصوصا وفرارهم منها وابتعادهم عنها وأسف وندم من لابسها أو أدلى ولو بكلمة فيها، وموقف التابعين لهم منها من تبرئة ساحة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل من لابس الفتنة منهم على المحمل الحسن وظن الجميل بهم. وفي الباب الثالث وهو عن الفتنة الثانية عرض تشابك الأحداث تبعا لسعة المجتمع الإسلامي لاتساع رقعته ومآل الخلافة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجمع النصوص التاريخية ومحص الأقوال وحصر المواقف في ثلاثة: موقف المطالبين بدم عثمان، وموقف المتريثين في طلب القصاص حتى تهدأ الأحوال، وموقف المعتزلين للفريقين وفرارهم من الفتنة وهم السواد الأعظم من الصحابة الكرام. وقد ترتب على هذه الفتنة نتائج عقدية وعملية، إذ نشأت فرق ونمت أفكار لا تزال تبري في جسم الأمة الإسلامية، وكان هذا الفصل الأخير مبينا لأسسها موضحا لمنطلقاتها كاشفا لآفاقها. وأخيرا ختم دراسته بخاتمة فيها خلاصة ما انتهى إليه من بحثه.إن الكتاب يتميز بالروح الإسلامية الصافية، حيث إنه كما تقدم إعادة صياغة لحلقة من حلقات التاريخ الإسلامي وتصحيحها وفق المنظور الإسلامي، بعد تنقية المرويات التاريخية من الشوائب والأخطاء والروايات المكذوبة، بهدف الكشف عن الحقائق التاريخية من جهة، والاستفادة من دراسة التاريخ في مجال التربية والقدوة الحسنة من جهة أخرى. لذا فقد اعتمد المؤلف على أمرين: أولهما تحقيق الروايات التاريخية وفق الموازين النقدية التي اتبعها علماء الحديث النبوي، وذلك بربط دراسة التاريخ الإسلامي إلى حد ما بعلم الجرح والتعديل، مع اعتبار نسبية تطبيق قواعد المحدثين على المرويات التاريخية. والثاني صياغة التاريخ الإسلامي وفق التصور الصحيح والموازين الشرعية، لأن التاريخ الإسلامي هو تاريخ دين وعقيدة قبل أن يكون تاريخ دول ومعارك ونظم سياسية. والمؤلف يسترشد كثيرا بكتابات الدكتور أكرم العمري في هذا المجال.على أن الكتاب قد اعتمد بالأساس كتب التاريخ لا سيما تاريخ الطبري، مع ما في الروايات التاريخية من تساهل نسبي في التوثيق، وجعل كتب الحديث في المرتبة الثانية، والأمر واسع ومرجعه إلى المنهج الذي يترسمه كل باحث، فهناك في المقابل أبحاث تعتمد المرويات الحديثية في المقام الأول وكتابات ابن تيمية، وكاتبنا يجعل من موازين التصور الإسلامي حكما على المرويات التاريخية، والجميع يحفظ للصحابة مكانتهم ويدحض فريات المستشرقين والمنافقين ومن لف لفهم.وأخيرا فإنه قد يؤخذ على المؤلف - وهو من هو - قبول بعض المرويات المردودة لكونها تتضمن تنزيها للصحابة أو ردا على افتراءات أعداء الإسلام، ومثال ذلك مرويات سيف بن عمرو التميمي وهو متروك. وعموما فإن المؤلف لا يصرح بتخطئة أي من الأصحاب رضوان الله عليهم بل يعد من أخطأ منهم متأولا، ويستبعد تماما أن يخالف أي من الصحابة في هذه الأحداث توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لهوى، وإن كان يشير في مواضع إلى أنهم غير معصومين وأن الذنب إذا وقع منهم فإنه يقع مغفورا لما ثبت لهم من الحسنات العظيمة الماحية.