هو كتاب قيم في تفسير القرآن الكريم، عنى باختصار تفسير القرآن العظيم المشهور بـ "تفسير ابن كثير" للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير (المتوفى 774 هـ)، وهو من الكتب الأساس في التفسير، يصلح لطالب العلم المتوسط والمنتهي. وقد جمع فيه مؤلفه جمعا بديعا وأضاف إضافتين مهمتين في التفسير يكاد يكون أول من تميز بها: الإضافة الأولى هي تفسير القرآن بالقرآن، وهذا المنهج كان موجودا قبل الإمام ابن كثير ولكنه هو قد أعطاه المزيد من العناية، لذلك لا يكاد يتفوق عليه إلا كتاب أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي من المتأخرين لأنه ركز على هذه المسألة بعينها. أما الإضافة الثانية التي أضافها الإمام ابن كثير فهي تفسير القرآن بالسنة، وهذا هو الذي قد يستثقله الكثير من القراء لكون المصنف قد ذكر الأسانيد وتكلم على بعضها تصحيحا وتضعيفا وتحسينا إلى غير ذلك، وكان بإمكانه الاستغناء عنها لكونها محفوظة في الكتب المدونة. لذلك فإن غالب مختصرات ابن كثير كان السبب الأول فيها هو حذف الأسانيد بل إن بعضها قد اقتصر على بعض الأقوال في التفسير ظنا أنها القول الأصح. وبجانب عنايته بتفسير القرآن بالقرآن والسنة فقد تميز هذا التفسير بعنايته بأقوال السلف، كما أنه لم يستطرد في الإسرائيليات. وجاء عرض التفسير بلغة سهلة وبعبارة جزلة وبأسلوب مختصر. وكون المصنف من أعلام أهل السنة فقد سلك في آيات الصفات مسلك الحق والصواب بخلاف كثير من المفسرين. ويبين ابن كثير منهجه في مقدمته التي تعد عمدة في أصول التفسير فيقول: "إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له... وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه... فإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير...، ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به". وصدق السيوطي إذ يقول عنه: قال السيوطي رحمه الله: " له التفسير الذي لم يؤلف على نمطه مثله". وقد كان لابن كثير في تفسيره منهج قويم في الترجيح عند الآيات التي اختلف فيها المفسرون، فهو يقف مع هذه الأقوال وقفة دراسة متأنية ثم ينتقي أقواها معتمدا في ذلك على الأدلة الثابتة والقواعد الراسخة. ويضعه البعض بعد تفسير الطبري في المنزلة، ويفضله آخرون عليه. وهذا الاختصار من إعداد الشيخ محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي الداعية الكاتب، وأراد اختصار التفسير الجليل ليفيد به المختصين في هذا العلم وغيرهم، فقد لجأ ابن كثير رحمه الله في تفسيره إلى شيء من التفصيل، قد لا ينفع إلا خاصة من العلماء حتى يلموا بمواضيع الآيات المفسرة إلماما يتفق مع رغبتهم من التفصيل والتطويل، وليتعمقوا في أصول هذا العلم الكريم تعمقا يكافئ غزارة علمهم، ونهمهم في البحث عن المعضلات لتبسيطها، وهذا الميل في البحث والتتبع في كشف الخفايا ليس موفور الأسباب عند سائر طلاب العلم ولا عند عامة المسلمين الذين قد تكون استفادتهم من تفسير ابن كثير على وضعه العلمي الخاص وتفصيلاته غير مستوفاة بالنسبة إلى أفهامهم. وقد قام المؤلف باختصار التفسير في أربعة مجلدات تشتمل على تفسير القرآن الكريم كاملا. كما اختصر المقدمة. وكانت منهجيته في الاختصار أنه لخص كلام ابن كثير رحمه الله بشكل لا يضيع المعنى وبأسلوب واضح يفهمه العالم والمتعلم والمبتدئ بطلب العلم وحتى العامة من الناس، فقد عمد إلى أسلوب ابن كثير الكتابي واستغنى عما يمكن استغناؤه عنه من تشبيهات واستعارات وكنايات ومترادفات، وكذلك في الأحاديث فقد اكتفى بذكر الراوي والصحابي. وكذلك بالنسبة للإسرائيليات والأحاديث الضعيفة التي نبه ابن كثير على ضعفها، وغيرها من الأقوال التي أدرجها المفسر للتنبيه على القارئ فقط، فقد قام المؤلف بحذفها. كما يضطر المؤلف في بعض الأحيان لإضافة كلام المفسر كاملا دون اختصار، وذلك لأنه يكون قد كتبها مختصرة واضحة ولم يتوسع فيها. كما يختار المؤلف أصح أقوال ابن كثير فيما أورد في موضع واحد، وقد يضيف المؤلف تعليقا من نقد أو تأييد أو ترجيح أحيانا أسفل الصفحة. كما لم يدخل المؤلف أيا من التفاسير الأخرى على تفسير ابن كثير، وكذلك لم يدخل من كلامه هو على كلام المفسر دون الإشارة إلى ذلك. وأخيرا فقد قام المؤلف بترقيم الآيات أرقاما متسلسلة لكل سورة، واعتمد التقسيمات التي قسمها القراء من أجزاء وأحزاب وذكر مواضع السجدات، وفهرس الكتاب ونمقه. وكان المؤلف أثناء إعداده لهذا المختصر عند اختصاره لمجموعة من الآيات يقوم بتدريسها لإخوانه ويلقيها في حلقاتهم ويقرؤها عليهم، ليرى أثرها في نفوسهم ويأخذ منهم التعليقات الضرورية في توضيح ما يجب توضيحه. كما قام بتدريس ما كان قد اختصره حينئذ في حرم المكي بعد عرضه على شيخ الحرم الرئيس العام للإشراف الديني في الحرم المكي وقتها، فكان يدرسها يوميا. ويؤخذ على المؤلف تصرفه في بعض المواضع تصرفا قد يخل بالمقصود.