هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجُوَيْني الشافعي الأشعري. ولد في بلدة جوين من نواحي نيسابور ببلاد خراسان في 18 محرم 419 هـ. وينتمي إلى بيت عرف بالعلم والتدين؛ فأبوه عبد الله بن يوسف الجويني كان واحدا من علماء وفقهاء نيسابور المعروفين وله مؤلفات كثيرة في التفسير والفقه والعقائد والعبادات، وقد حرص على تنشئة ابنه عبد الملك تنشئة إسلامية صحيحة فعلمه بنفسه العربية وعلومها، واجتهد في تعليمه الفقه الخلاف والأصول. واستطاع عبد الملك أن يحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة. وكذلك عمه وجده كانا من كبار أئمة وفقهاء نيسابور. بدأ الجويني حياته العلمية من بيته، فقرأ على والده التفسير، والحديث والفقه، والأصول، والأدب، وقرأ عليه جميع مصنفاته، وكان يسجل ما له عليها من ملاحظات. قال ابن خلكان: "أتى على جميع مصنفات والده، وتصرف فيها حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق". توفي والده وهو دون العشرين، فأقعد مكانه للتدريس، كما سمع الحديث في صباه من مشايخ آخرين، في أنواع العلوم حتى ظهرت براعته، ولم يمنعه منصب التدريس في تحصيل العلم، بل كان يصل الليل بالنهار في سبيل ذلك، فقد كان يذهب مبكرا إلى مسجد الأستاذ أبي عبد الله الخبازي يقرأ عليه القرآن ويقتبس منه كل نوع من العلوم، ما يمكنه، ثم يرجع ويشتغل بالتدريس، وبعد فراغه كان يخرج إلى مدرسة البَيْهقي حتى حصل علم الكلام وأصول الفقه على الأستاذ الإمام أبي القاسم الإسفراييني، وكان يواظب على مجلسه، واستمر في تحصيل العلـم من صباه إلى شيخوخته. وكان الجويني قد تابع منهج أسلافه من الأشاعرة، وقد توثقت في شخصه الصلة بين الأشاعرة كمذهب كلامي وبين الشافعية كمذهب فقهي، فقد انخرط في مدرسة الأشاعرة، وصار في كتبه وتدريسه على طريقة الأشعرية في علم الكلام، وصار من أنصار المذهب الأشعري، الذي عمل على دراسته وتدريسه ونصرته والدعوة إليه، حتى صار إمام الحرمين شيخ الأشعرية، وإمام المتكلمين في عصره. ومن أشهر تلامذته حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وإلكيا الهراسي، وعلى الباخرزي، وعبد الغافر الفارسي، وأبو نصر عبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم القشيري. وله العديد من المؤلفات في مختلف العلوم والفنون، فله في الفقه كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب، وهو كتاب كبير في أكثر من عشرين جزءا، ومختصر النهاية، ومختصر التقريب، والرسالة النظامية في الأركان الإسلامية، وفي أصول الفقه البرهان، والورقات، والغنية، والتحفة، وفي علم الكلام الشامل في أصول الدين، والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، ولمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة، والعقيدة النظامية في الأركان الإسلامية. وتوفي "بشتنقان" حين مرض وذهب للاستشفاء بجوها المعتدل، ولكن اشتد عليه المرض فمات بها، وذلك في مساء الأربعاء 25 ربيع الآخر 478 هـ عن عمر بلغ تسعا وخمسين عاما.