هو القاضي شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الراميني المقدسي الدمشقي الصالحي 708هـ. هو أحد أبرز تلامذة الإمام ابن تيمية، المزي والذهبي وأحد أبرز فقهاء الحنابلة. وهو من قرية رامين في محافظة طولكرم الفلسطينية. ثم انتقل إلى دمشق، فناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، وتزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد. قال عنه أبو البقاء السبكي: "ما رأت عيناي أحدا أفقه منه وكان ذا حظ من زهد وتعفف وصيانة وورع ودين متين". وشكر سيرته وأحكامه وذكره الذهبي في المعجم فقال: "شاب عالم له عمل ونظر في رجال السنن ناظر وسمع وكتب وتقدم ولم ير في زمانه في المذهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه فمن محفوظاته المنتقى في الأحكام". وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي سنة 731هـ: "ما تحت قبة الفلك أعلم بمذاهب الإمام أحمد من ابن مفلح وحسبك بهذا الشهادة من مثل هذا". وحضر عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثيرا وكان يقول له: "ما أنت أبن مفلح بل أنت مفلح"، وكان أخبر الناس بمسائل واختياراته حتى أن ابن القيم كان يراجعه في ذلك وله مشايخ كثيرون، منهم ابن مسلم والبرهان الزرعي، والحجار، والفويره، والبخاري، والمزي، والذهبي. ونقل عنهم كثيرا. وقد درس بالصاحبة، ومدرسة الشيخ أبي عمر، والسلامية، وأعاد بالصدرية ومدرسة دار الحديث. كما كان له العديد من المؤلفات النافعة الأخرى، وذكر ابن كثير في تاريخه أن له شرحا على المقنع في نحو ثلاثين مجلدا، وعلى المحرر نحوا من مجلدين، وله كتاب الفروع الذي اشتهر في الآفاق، وهو من أجل كتب الحنابلة وأنفسها وأجمعها للفوائد، أورد فيه من الفروع الغريبة ما بهر به العلماء، وله كتاب في أصول الفقه، وهو كتاب جليل حذا حذو ابن الحاجب في مختصره، وفيه من النقول والفوائد ما لا يوجد في غيره، وليس للحنابلة أحسن منه. ومن كتب الإمام، كتاب "الآداب الشرعية والمنح المرعية" ويسمى الآداب الكبرى، فهو ذو قيمة علمية كبيرة؛ لاشتماله على كثير من أصول الأخلاق المستقاة من الكتاب والسنة، وما انبثق عنهما من علوم في إطار الثقافة العربية الإسلامية، وقد تحرى فيه أن يكون كالفروع في الفقه، جامعا لخلاصة ما ألف فيه أئمة الحنابلة من المصنفات التي ذكرها في خطبة كتابه؛ كأبي بكر الخلال، وأبي علي بن أبي موسى، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وابن الجوزي، وغيرهم من أعيان وعلماء الحنابلة، فأتى في كتابه على ما في كتب هؤلاء العلماء، وزاد عليها أشياء كثيرة نافعة حسنة غريبة من أماكن متفرقة. وغيرها الكثير. توفي الإمام ليلة الخميس ثاني رجب عام 763هـ، بسكتة بالصالحية ودفن بالروضة بالقرب من الشيخ موفق الدين ولم يدفن بها حاكم قبله، وله بضع وخمسون سنة.