مالك بن أنس

والملقب بـ

هو الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني، فقيه ومحدث مسلم، وثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي. اشتهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبته فيه، وكان معروفا بالصبر والذكاء والهيبة والوقار والأخلاق الحسنة، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين". ويعد كتابه (الموطأ) من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحها، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "ما بعد كتاب الله تعالى كتاب أكثر صوابا من موطأ مالك". وقد اعتمد الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب. ولد الإمام مالك بالمدينة المنورة سنة 93هـ، ونشأ في بيت كان مشتغلا بعلم الحديث واستطلاع الآثار وأخبار الصحابة وفتاويهم، وحفظ الإمام مالك القرآن الكريم في صدر حياته، كما هو الشأن في أكثر الأسر الإسلامية التي يتربى أبناؤها تربية دينية، واتجه بعد حفظ القرآن الكريم إلى حفظ الحديث، فوجد من بيئته محرضا، ومن المدينة موعظا ومشجعا، ولذلك اقترح على أهله أن يذهب إلى مجالس العلماء ليكتب العلم ويدرسه، فذكر لأمه أنه يريد أن يذهب فيكتب العلم، فألبسته أحسن الثياب وعممته، ثم قالت: "اذهب فاكتب الآن"، وكانت تقول: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"، ولازم فقيه المدينة المنورة ابن هرمز سبع سنين يتعلم عنده، كما أخذ عن كثير من غيره من العلماء مثل نافع مولى ابن عمر، فقال الإمام مالك: "كنت آتي نافعا نصف النهار، وما تظلني الشجرة من الشمس أتحين خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة، كأني لم أره، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه، حتى إذا دخل أقول له: "كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟"، فيجيبني، ثم أحبس عنه، وكان فيه حدة" وأيضا جالس ابن شهاب الزهري، وقال أيضا: "قدم علينا الزهري فأتيناه ومعنا ربيعة، فحدثنا نيفا وأربعين حديثا، ثم أتيناه في الغد، فقال: "انظروا كتابا حتى أحدثكم، أرأيتم ما حدثتكم به أمس؟"، قال له ربيعة: "ههنا من يرد عليك ما حدثت به أمس"، قال: "ومن هو؟"، قال: "ابن أبي عامر"، قال: "هات"، فحدثته بأربعين حديثا منها، فقال الزهري: "ما كنت أرى أنه بقي أحد يحفظ هذا غيري". فتلقى الإمام مالك عن الكثير من كبار أهل العلم، فقد كانت المدينة المنورة في عصر مالك مهدا للعلم، إذ كان بها عدد من التابعين وبعد أن اكتملت دراسته للآثار والفتيا، وبعد أن شهد له سبعون شيخا من أهل العلم أنه موضع لذلك، اتخذ له مجلسا في المسجد النبوي للدرس والإفتاء. ولم تذكر كتب المناقب والأخبار موارد رزق الإمام مالك موضحة مبينة، ولكن جاءت أخبار منثورة تكشف عن موارد رزقه، والراجح أن مالكا كان يعمل بالتجارة. كما اتصف الإمام مالك بقوة الفراسة. كما انتشر مذهبه في أنحاء العالم الإسلامي، في مصر والأندلس والمغرب ومكة والمدينة والبصرة، وغيرها من البلدان. وكان درس الإمام مالك أول الأمر في المسجد، ثم صار درسه في بيته بسبب مرضه الذي لم يكن يعلنه، فقد كان مصابا بسلس البول، ولم يخبر بذلك إلا يوم وفاته، قال الإمام مالك: "لولا أني في آخر يوم ما أخبرتكم، مرضي سلس بول، كرهت أن آتي مسجد رسول الله بغير وضوء، وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي". وقد التزم الإمام مالك في درسه الوقار والسكينة، والابتعاد عن لغو القول وما لا يحسن بمثله، وكان يرى ذلك لازما لطالب العلم، يروى أنه نصح بعض أولاد أخيه فقال: "تعلم لذلك العلم الذي علمته السكينة والحلم والوقار". وكان الإمام مالك يبتعد عن الثورات والتحريض عليها، وعن الفتن والخوض فيها، ومع ذلك فقد نزلت به محنة في العصر العباسي في عهد أبي جعفر المنصور، وقد اتفق المؤرخون على نزول هذه المحنة به، وأكثر الرواة على أنها نزلت به سنة 146هـ، وقيل سنة 147هـ، وقد ضرب في هذه المحنة بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفاه، وقد اختلفوا في سببها على أقوال كثيرة أشهرها: أنه كان يحدث بحديث: "ليس على مستكره طلاق"، فاتخذ مروجو الفتن من هذا الحديث حجة لبطلان بيعة أبي جعفر المنصور، وذاع هذا وشاع في وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية بالمدينة، فنهي عن أن يحدث بهذا الحديث، ثم دس إليه من يسأله عنه، فحدث به على رؤوس الناس، فضرب. وأشهر مؤلفات الإمام مالك هو الموطأ ويعد من أوائل كتب الحديث وأشهرها في ترتيبه وتركيبه، وفي اجتهاده ونقله، وفي حديثه وفقهه، وقد كان أعظم مرجع في عصره وأقدمه. وله غير الموطأ مؤلفات …

كتب المصنف في الموقع