محمد أحمد مصطفى أحمد

محمد أحمد مصطفى أحمد

والملقب بـ

هو محمد أحمد مصطفى أحمد المعروف بأبي زهرة، عالم ومفكر وباحث وكاتب مصري من كبار علماء الشريعة الإسلامية والقانون في القرن العشرين.وُلد محمد في المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية بمصر سنة 1316هـ الموافق لعام 1898م، فدفعت به أسرته إلى أحد الكتاتيب التي كانت منتشرةً في أنحاء مصر تُعلِّم الأطفال وتُحفِّظهم القرآن، وقد حفظه الطفل النابه، وأجاد تعلُّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، وكان إحدى منارات العلم في مصر، تمتلئ ساحاته بحلقات العلم التي يتصدَّرها فحول العلماء، وكان يُطلق عليه الأزهر الثاني لمكانته الرفيعة، وقد سيطرت عليه روح احترام الحرية والتفكير، وكره السيطرة والاستبداد، وقد عبَّر أبو زهرة عن هذا الشعور المبكِّر في حياته بقوله: ولما أخذت أشدو في طلب العلم وأنا في سنِّ المراهقة كنت أفكر: لماذا يوجد الملوك؟ وبأي حق يستعبدُ الملوك الناس؟ فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خُضوعهم لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت. وانتقل الشيخ أبو زهرة بعد ثلاث سنوات من الدراسة بالجامع الأحمدي إلى مدرسة القضاء الشرعي سنة 1335هـ/1916م بعد اجتيازه اختبارًا دقيقًا كان هو أوَّل المتقدِّمين فيه على الرغم من صغر سنه عنهم وقصر المدَّة التي قضاها في الدراسة والتعليم، وكانت المدرسة التي أنشأها محمد عاطف بركات تعد خريجها لتولي مناصب القضاء الشرعي في المحاكم المصرية، ومكث أبو زهرة في المدرسة ثماني سنوات يُواصل حياته الدراسية حتى تخرج فيها سنة 1343هـ/1924م، حاصلا على عالمية القضاء الشرعي، ثم اتَّجه إلى دار العلوم ليَنال معادلتها سنة 1346هـ/1927م، فاجتمع له تخصصان قويان لابد منهما لمن يريد التمكن من علوم الإسلام.وبعد تخرُّجه عمل في ميدان التعليم ودرس العربية في المدارس الثانويَّة، ثم اختير سنة 1352هـ/1933م للتدريس في كلية أصول الدين، وكلف بتدريس مادة الخطابة والجدل، فألقى محاضرات ممتازة في أصول الخطابة، وتحدث عن الخطباء في الجاهلية والإسلام، ثم كتب مؤلفا عُدَّ الأول من نوعه في اللغة العربية، حيث لم تفرد الخطابة قبله بكتابٍ مستقل. ولما ذاع فضل المدرس الشاب وبراعته في مادته اختارته كلية الحقوق المصرية لتدريس مادة الخطابة بها، وبعد مدة وجيزة عهدت إليه الكلية بتدريس مادة الشريعة الإسلامية، فزامل في قسم الشريعة عددًا من أساطين العلماء؛ مثل: أحمد إبراهيم، وأحمد أبي الفتح، وعلي قراعة، وفرج السنهوري، وكان وجود مثل هؤلاء معه يزيد المدرس الشاب دأبًا وجدَّة في الدرس والبحث؛ حتى يرتقي إلى صفوفهم ومكانتهم الرفيعة. وتدرَّج أبو زهرة في كلية الحقوق التي شهدت أخصب حياته الفكرية حتى ترأَس قسم الشريعة، وشغل منصب الوكالة فيها، وأُحيل إلى التقاعد سنة 1377هـ/1958م، وبعد صدور قانون تطوير الأزهر اختير الشيخ أبو زهرة عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية سنة 1382هـ/1962م، وهو المجمع الذي أنشئ بديلا عن هيئة كبار العلماء، وإلى جانب هذا كان الشيخ من مؤسسي معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة، وكان يُلقي فيه محاضراته في الشريعة الإسلامية دون أجر، وكان هذا المعهد قد أنشئ لمن فاتته الدراسة في الكليات التي تعنى بالدراسات العربية والشرعية، فالتحق به عددٌ كبير من خريجي الجامعات الراغبين في مثل هذه الدراسات. كان أبو زهرة من أعلى الأصوات التي تُنادي بتطبيق الشريعة الإسلاميَّة في الحياة، وقرَّر أنَّ القرآن أمَر بالشورى؛ ولذا يجب أنْ يُختار الحاكم المسلم اختيارًا حرًّا؛ فلا يتولَّى أي سلطان حاكمًا إلا بعد أنْ يُختار بطريقة عادلة، وأنَّ اختيار الحكام الصالحين هو السبيل الأمثل لوقاية الشريعة من عبث الحاكمين، وكل تهاون في ذلك هو تهاونٌ في أصل من أصول الإسلام. ووقف أبو زهرة أمام قضية "الربا" موقفًا حاسمًا، وأعلن عن رفضه له ومحاربته بكلِّ قوَّة، وكشف بأدلَّة علمية فساد نظرية الربا وعدم الحاجة إليها، وأنَّ الإسلام حرَّم الربا حمايةً للمسلمين ولمجتمعهم. ورأى بعض مَن لا علم لهم بالشريعة يكتبون في الصحف بأنَّ من الصحابة مَن كان يترك العمل بالنص إلى رأيه الخاص الذي اجتهد فيه إذا اقتضت المصلحة ذلك، واستشهدوا على ذلك بوقائع لعمر بن الخطاب حين أبطل العمل بحدِّ السرقة في عام الرمادة؛ فقام الشيخ بجلاء هذا الموقف، وبيَّن أنَّ المصلحة تعتمد على النص وترجع إليه، وأنَّ القول دونما نص أو قاعدة كليَّة إنما هو قول بالهوى؛ فأصول الفقه تستندُ على أدلَّة قطعية، وأنَّه لا يجوز أنْ يعتمد على العقل في إثبات حكم شرعي، وأنَّ المعول عليه في إثبات الأحكام الشرعية هو النصوص النقلية، وأنَّ العقل مُعِين له، وأبان الشيخ اليقظ أنَّ عمر بن الخطاب وأمثاله من مجتهدي الصحابة لم يترُكوا العمل بالنص، وإنما فهموه فهمًا دقيقًا دون أنْ يبتعدوا عنه.اشتهر الشيخ أبو زهرة بالفكر الحر في عرض قضايا الإسلام. سافر إلى كثير من بلاد العالم الإسلامي محاضرا ومشاركا في المؤتمرات. وقد ألف أكثر من 30 كتابا، وهي: خاتم النبيين (3 مجلدات)، المعجزة الكبرى - القرآن الكريم، تاريخ المذاهب الإسلامية (جزءان في مجلد واحد)، العقوبة في الفقه الإسلامي، الجريمة في الفقه الإسلامي، الأحوال الشخصية، أحكام التركات والمواريث، علم أصول الفقه، محاضرات في الوقف، محاضرات في عقد الزواج وآثاره، الملكية ونظرية العقد، الخطابة (أصولها - تاريخها في أزهى عصورها عند العرب)، تاريخ الجدل، تنظيم الأسرة وتنظيم النسل، شرح قانون الوصية، الوحدة الإسلامية، العلاقات الدولية في الإسلام، التكافل الاجتماعي في الإسلام، المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، الميراث عند الجعفرية، تفسير زهرة التفاسير حتى الآية 73 من سورة النمل. وتناول الشيخ ثمانية من أئمة الإسلام وأعلامه الكبار بالترجمة المفصلة التي تظهر جهودهم في الفقه الإسلامي في وضوح وجلاء في الكتب التالية: أبو حنيفة - حياته وعصره - آراؤه وفقه، ومثلها بنفس العنوان عن: مالك، الشافعي، ابن حنبل، الإمام زيد، ابن تيمية، ابن حزم، الإمام الصادق.كما كانت له الكثير من البحوث في العديد من المجلات العلمية والاجتماعية: مجلة القانون والاقتصاد، ومجلة المسلمون، ومجلة حضارة الإسلام، ومجلة القانون الدولي، وكتاب أسبوع الفقه الإسلامي، وكتاب أسبوع القانون والعلوم السياسية، ومجلة الأزهر، ومجلة العربي، والعديد من المجلات بمختلف الدول العربية. وكذلك عدد لا يحصى من الأحاديث الصحفية كان يرد بها على المهاجمين للإسلام وللدفاع عن قوانين الأحوال الشخصية.عقد الإمام محمد أبو زهرة في أواخر عام 1973 وأوائل عام 1974 العديد من الندوات والاجتماعات بجامعة القاهرة والإسكندرية وفي جمعية الشبان المسلمين لمحاربة التعدي على الشريعة الإسلامية، وكانت له صولات وجولات في مجمع البحوث الإسلامية والأزهر، وقرر فضيلة الإمام إقامة مؤتمر شعبي لمناقشة هذا الأمر في سرادق كبير في شارع العزيز بالله أمام منزله بضاحية الزيتون، أقامه الإمام على نفقته الخاصة وقام فضيلته بمعاينة المكان وإنشاء السرادق مبكرا في صباح يوم الجمعة 12/ 4/ 1974م ثم عاد إلى حجرة المكتب بالدور العلوي وشرع في إكمال تفسير سورة النمل حتى أذان الظهر، وأثناء نزول فضيلته حاملا القلم والمصحف مفتوحا على آخر ما وصل إليه في التفسير تعثر وسقط ساجدا على المصحف وعلى أوراق التفسير، ثم فاضت روحه إلى بارئها أثناء آذان المغرب. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

كتب المصنف في الموقع