ابن المنذر النيسابوري (241هـ - 318هـ) هو الحافظ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري، فقيه مجتهد، من الحفاظ، وكان شيخ الحرم بمكة.ولد ابن المنذر سنة 241هـ، حيث قال الإمام الذهبي في السير: ولد في حدود موت أحمد بن حنبل. رحل ابن المنذر إلى مصر طلبا للحديث والفقه، والتقى بالربيع بن سليمان صاحب الشافعي وتلميذه، فوقف على كتب الشافعي التي صنفها في مصر، وتيسّرت لابن المنذر التلمذة على يد أعلم فقهاء عصره بأقوال الصحابة والتابعين: الإمام محمد بن عبد الله بن الحكم.سمع ابن المنذر الحديث من قاضي مصر ومحدثها بكار بن قتيبة المتوفى سنة 270هـ، كما سمع الحديث في نيسابور من إمامها ومفتيها الحافظ محمد بن يحيى الذهلي الذي مات سنة 267هـ، ورحل ابن المنذر إلى مكة وسمع محدثها محمد بن إسماعيل الصائغ المتوفَّى سنة 276هـ، وطاب له المقام في مكة، فصنف ودرس وأفتى وعلا أمره وارتفع مقامه حتى صار شيخ الحرم المكي، لأنه كان المفسر المدقق، والمحدث الثقة والراوي لآثار الصحابة في الفقه وآراء التابعين وأئمة المجتهدين مع عرض أدلتهم والموازنة بينها، فترجحت له بالتحقيق الآراء، فلا يلتزم التقيد في الاختيار بمذهب أحد بعينه، ولا يتعصب لأحد ولا على أحد، بل يدور مع ظهور الدليل ودلالة السنة الصحيحة يقول بها مع من كان.من أشهر شيوخ ابن المنذر: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، والإمام أبو حاتم الرازي، والإمام أبو عيسى الترمذي، والربيع بن سليمان، وإسحاق الدبري، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وغيرهم. ومن أشهر تلاميذه: أبو حاتم بن حبان البستي، ومحمد بن أحمد البلخي، وأبو بكر الخلال، وأبو بكر بن المقرئ، وسعيد بن عثمان الأندلسي، وغيرهم.وللشيخ مؤلفات كثيرة؛ قال الذهبي: ابن المنذر صاحب الكتب التي لم يصنف مثلها. فمن مؤلفاته: تفسير ابن المنذر النيسابوري، السنن المبسوط، السنن والإجماع والاختلاف، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، الإشراف على مذاهب أهل العلم، الإقناع، إثبات القياس، تشريف الغني على الفقير، جامع الأذكار، الإجماع، رحلة الإمام الشافعي إلى المدينة المنورة، وغيرها.توفي ابن المنذر بمكة المكرمة سنة 318هـ. وقد أثنى العلماء عليه فقال الإمام النووي:"الإمام المشهور أحد أئمة الإسلام، المجمع على إمامته وجلالته ووفور علمه، وجمعه بين التمكن في علمي الحديث والفقه، وله المصنفات المهمة النافعة في الإجماع والخلاف وبيان مذاهب العلماء، وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد، وهو في نهاية من التمكن من معرفة الحديث، وله اختيار فلا يتقيّد في الاختيار بمذهب بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل". وقال الإمام السبكي:" أحد أعلام هذه الأمة وأحبارها، كان إمامًا مجتهدًا، حافظًا ورعًا". وقال ابن القطان: "كان ابن المنذر فقيها، محدثا ثقة". رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.